(ينطف) بكسر الطاء وضمها لغتان مشهورتان أي يقطر (رأسه ماء) قليلًا قليلًا، حالٌ ثان من فاعل خرج أي خرج من حجرته حالة كونه يقطر رأسه ماء قليلًا قليلًا وماء منصوب على التمييز فقام في مصلاه (فكبر) للإحرام (فصلى بنا) ولم يأمر بالإقامة ثانيًا كما هو ظاهر السياق، فلعله لقرب رجوعه وسرعة اغتساله. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [٢/ ٢٣٧ و ٢٨٣] والبخاري [٢٧٥] وأبو داود [٢٣٤ و ٢٣٥] والنسائي [١/ ٨١ - ٨٢].
قوله:(فعدلنا الصفوف) إشارة إلى أن هذه سنة معهودة عندهم، وقد أجمع العلماء على استحباب تعديل الصفوف والتراص فيها اهـ نواوي، قوله (ذكر) أي تذكر شيئًا وهو لزوم الاغتسال فانصرف إلى الحجرة الشريفة، وقال لنا (مكانكم) أي الْزَمُوه، وقوله (ينطف رأسه ماء) فيه دليل على طهارة الماء المستعمل اهـ نواوي، وماء منصوب إما على التمييز كما مر آنفًا، أو على المفعولية لأن نطف يتعدى ولا يتعدى كما يعلم بمراجعة كتب اللغة.
قوله:(حتى إذا قام في مصلاه قبل أن يكبر ذكر فانصرف) قال القرطبي: هذا هو الصحيح من حديث أبي هريرة في كتاب مسلم والبخاري "أنه صلى الله عليه وسلم ذكر قبل أن يكبر، وقبل أن يدخل في الصلاة" وعلى هذا فلا يكون في الحديث إشكال ولا مخالفة أصل، وأقصى ما فيه أن يقال لم أشار إليهم ولم يتكلم ولم انتظروه قيامًا، والجواب أنا لا نسلم أنه لم يتكلم بل قد جاء في هذه الرواية أنه قال لهم مكانكم، وفي الرواية الأخرى أنه أومأ إليهم، وعلى الجمع بين الروايتين أنه جمع بين القول والإشارة تأكيدًا لملازمة القيام ولو سلمنا أنه لم يتكلم وأنه اقتصر على الإشارة لم يكن فيه دليل على أنه دخل في الصلاة إذ يحتمل أن يكون ذلك استصحابًا لما شَرَع فيه من الوقار لأنه بمنزلة من هو في الصلاة إذ قصده أن يخرج للتطهر ثم يعود إليها كما قال صلى الله عليه وسلم "إذا أتيتم الصلاة فعليكم بالسكينة والوقار" وأما ملازمتهم للقيام فامتثال لأمره صلى الله عليه وسلم لهم بذلك وإنما أمرهم بذلك ليشعر بسرعة رجوعه حتى لا يتفرقوا ولئلا يزايلوا ما كانوا شرعوا فيه من القيام للقربة حتى يفرغوا منها والله أعلم اهـ من المفهم.