قال القرطبي: والنهي عن اتباع الأعراب في تسميتهم العشاء عتمة إنما كان لئلا يعدل بها عما سماها الله تعالى به في كتابه إذ قال {وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ}[النور: ٥٨] فكان إرشادًا إلى ما هو أولى، وليس على جهة التحريم، ولا على أن تسميتها العتمة لا يجوز ألا ترى أنه قد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أطلق عليها اسم العتمة إذ قال: "ولو يعلمون ما في العتمة والصبح" وقد أباح تسميتها بذلك أبو بكر وابن عباس رضي الله عنهم، وقيل إنما نهى عن ذلك تنزيهًا لهذه العبادة الشريفة الدينية عن أن يطلق عليها ما هو اسم لفعلة دنيوية وهي الحلبة التي كانوا يحلبونها في ذلك الوقت ويشهد لهذا قوله (وهم) الأعراب (يعتمون) أي يؤخرون صلاة العشاء إلى وقت العتمة؛ وهي ظلمة الليل (بالإبل) أي بسبب انشغالهم بالإبل وحلابها فيسمونها صلاة العتمة لدأب تأخيرهم إياها بسبب اشتغالهم بالإبل في أول وقتها فسموا أنتم العشاء باسمها الذي في كتاب الله تعالى وهو العشاء واعتادوا هذه التسمية حتى لا يغلب اصطلاحهم الجاهلي على اصطلاحكم الإسلامي، قال السندي في حواشي سنن ابن ماجه: المراد النهي عن إكثار اسم العتمة لا عن استعماله أصلًا فاندفع ما يتوهم من التنافي والتعارض بين أحاديث المنع والثبوت في استعمالاته صلى الله عليه وسلم كحديث "لو يعلمون ما في الصبح والعتمة لأتوهما ولو حبوًا" اهـ منه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [٢/ ١٠ و ١٩] وأبو داود [٤٩٨٤] والنسائي [١/ ٢٧٠] وابن ماجه [٧٠٤] ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال:
١٣٤٨ - (٠٠)(٠٠)(وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (حدثنا وكيع) بن الجراح الرؤاسي الكوفي (حدثنا سفيان) بن سعيد الثوري الكوفي (عن عبد الله ابن أبي لبيد) الكوفي (عن أبي سلمة بن عبد الرحمن) الزهري المدني (عن) عبد الله (بن عمر) العدوي المكي. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم كوفيون وواحد مكي وواحد مدني، وغرضه بسوقه بيان متابعة سفيان الثوري لسفيان بن عيينة في رواية هذا