والمراد بإماتة الصَّلاة تأخيرها عن الوقت المختار لا عن كل وقتها لأنه لم ينقل أن الأمراء المتقدمين تركوا الصَّلاة قاله ابن الملك، وهذا منه صَلَّى الله عليه وسلم من أعلام نبوته إذ قد أخبر بأمر غيبي وقع على نحو ما أخبر وقد وقع ذلك في أمراء بني أميَّة وشوهد وعرف (قال) أبو ذر (قلت) يا رسول الله (فما) ذا (تأمرني) به حينئذ؛ أي فما الذي تأمرني به أن أفعله في ذلك الوقت (قال) النَّبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم لأبي ذر (صلِّ الصَّلاة) المفروضه حينئذ (لوقتها) الأفضل أو المختار (فإن أدركتها) أي فإن أدركت تلك الصَّلاة التي صليت وحدك، وتمكنت من الصَّلاة (معهم) يعني في الوقت (فصلـ) ـلها معهم جمعًا بين فضيلتي أول الوقت والجماعة، وفيه الحث على موافقة الأمراء في غير معصية، لئلا تتفرق الكلمة وتقع الفنتة، ولهذا قال في الرِّواية الأخرى "إن خليلي أوصاني أن أسمع وأطيع وإن كان عبدًا مجدع الأطراف"؛ أي مقطوع الأعضاء، والمجدع أردأ العبيد لقلة قيمته ومنفعته ونفرة النَّاس منه اهـ نواوي (فإنها) أي الصَّلاة التي صليت معهم (لك نافلة) أي زيادة في الثواب والعمل، وفيه تصريح بأن الأولى كانت فريضة بخلاف الصَّلاة التي في قصة معاذ المتقدمة في باب القراءة في العشاء فإنَّها كانت نفلًا كما مر بيانه، قال ابن الملك: والأوقات التي يكره بعد صلاتها النوافل كالصبح والعصر تكون مستثناة من هذا الحكم اهـ (ولم يذكر خلف) بن هشام في روايته لفظة (عن وقتها) في قوله "يؤخرون الصَّلاة عن وقتها". وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [٤٣١] والترمذي [١٧٦] والنَّسائيُّ [٢/ ٧٥] وابن ماجه.
قال الشوكاني: معنى الحديث صلِّ في أول الوقت وتصرف في شغلك فإن صادفتهم بعد ذلك وقد صلوا أجزأتك صلاتك، وإن أدركت الصَّلاة معهم فصل معهم، وتكون هذه الثَّانية لك نافلة، والحديث يدل على مشروعية الصَّلاة لوقتها وترك الاقتداء بالأمراء إذا أخروها من أول وقتها، وأن المؤتم يصليها منفردًا ثم يصليها مع الإمام فيجمع بين فضيلة أول الوقت وطاعة الأمير، ويدل على وجوب طاعة الأمراء في غير معصية لئلا تتفرق الكلمة وتقع الفنتة، ويدل على أنَّه لا بأس بإعادة الصبح والعصر وسائر الصلوات، لأنَّ النَّبيَّ صَلَّى الله عليه وسلم أطلق الأمر بالإعادة ولم يفرق بين صلاة وصلاة فيكون مخصصًا لحديث "لا صلاة بعد العصر وبعد الفجر" اهـ.