وإكرام آبائهم بذلك، وجواز المزاح معهم كما مازح النبي صلى الله عليه وسلم أبا عمير، وما كان عليه صلى الله عليه وسلم من حسن العشرة، قال بعضهم: ولعل النبي صلى الله عليه وسلم أواد بذلك أن يحفظ محمود الواقعة فينقلها كما وقعت فيحصل له فضل نقل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحة الصحبة، وكان حينئذ ابن أربع سنين وقيل خمس، وبحديث محمود هذا احتجوا على جواز سماع الصغير إذا عقل وتثبت ثم نقله في كبره، وجعل بعضهم هذا السن حدًّا في صحة سماعهم، وليس كذلك بل حتى يعقل كما عقل محمود مجه صلى الله عليه وسلم عليه (قال محمود: فحدثني عتبان بن مالك قال) عتبان (قلت: يا رسول الله إن بصري قد ساء) ونقص نوره (وساق) الأوزاعي (الحديث) السابق (إلى قوله) أي إلى قول عتبان (فصلى بنا) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ركعتين وحبسنا) أي منعنا (رسول الله صلى الله عليه وسلم) من الإياب (على جشيشة) أي لأجل تناول جشيشة (صنعناها) أي طبخناها (له) أي لأجل إطعامه صلى الله عليه وسلم، والجشيشة -بجيم مفتوحة وشينين أولاهما مكسورة- أن تطحن الحنطة طحنًا جيدًا ثم تجعل في القدر ويلقى عليها لحم أو تمر وتطبخ، وقد يقال لها دشيشة بالدال كذا في النهاية (ولم يذكر) الأوزاعي (ما بعده) أي ما بعد قوله صنعناها له (من زيادة يونس ومعمر) من قولهما، قال: فثاب رجال من أهل الدار حولنا الخ.
قال النواوي: وفي حديث عتبان هذا فوائد كثيرة تقدمت في كتاب الإيمان منها أنه يستحب لمن قال سأفعل كذا أن يقول إن شاء الله للآية والحديث، ومنها التبرك بالصالحين وآثارهم، والصلاة في المواضع التي صلوا فيها وطلب التبريك منهم، ومنها أن فيه زيارة الفاضل المفضول، وحضور ضيافته، وفيه سقوط الجماعة للعذر، وفيه استصحاب الإمام والعالم ونحوهما بعض أصحابه في ذهابه، وفيه الاستئذان على الرجل في منزله وإن كان صاحبه وقد تقدم منه استدعاء، وفيه الابتداء في الأمور بأهمها لأنه صلى الله عليه وسلم جاء للصلاة فلم يجلس حتى صلى، وفيه جواز صلاة النفل جماعة، وفيه أن الأفضل في صلاة النهار أن تكون مثنى كصلاة الليل وهو مذهبنا ومذهب الجمهور، وفيه أنه يستحب لأهل المحلة وجيرانهم إذا ورد رجل صالح إلى منزل بعضهم