(فقال قتادةُ) بن دِعامة لإِظهار بُطْلان ما زَعَم وادَّعَى: (هذا) الرَّجل القائم الخارج من عندنا الزاعم لقاء هؤلاء الصَّحَابَة (كان سائلًا) أي: طالبًا الصدقةَ من النَّاس مشغولًا بطلب رزقِه وقُوته من أيدي النَّاس (قبلَ) وقوع الطاعون (الجارفِ) أي: الذي جرف وأهلك كثيرًا من النَّاس من الصَّحَابَة وغيرهم؛ أي: مشغولًا بسؤال النَّاس قبل الجارف الذي أهلك أكثرَ الصَّحَابَة.
(لا يَعْرِضُ) بفتح الياء وكسر الراء؛ أي: لا يلتفتُ ولا يَرْغَبُ (في شيءٍ من هذا) العِلْمِ؛ أي: عِلْمِ رواية الحديث؛ أي: لا يَعْتَني بالحديث (ولا يَتكَلَّمُ فيه) أي: في شيءٍ من الحديث حِفْظًا وضَبْطًا وروايةً في زمن البدريين، فكيف عن لقائهم والرواية عنهم؟ ! فهو كَذَّابٌ في ذلك الزعم.
قال قتادة:(فوالله) الذي لا إله غيرُه؛ أي: أقسمتُ به (ما حَدَّثنا الحَسَنُ) البصريُّ الذي هو من كبار التابعين رأس الطَّبقة الثالثة (عن) شخصٍ (بَدْرِيٍّ) أي: حاضرٍ وقعةَ بَدْرٍ (مُشَافَهَةً) أي: مُخاطَبةً ومكالمةً معه بلا واسطةٍ، فكيف يحَدّثُ هذا الأعمى الذي هو من الطَّبقة الخامسة عن البدريين؟ ! فهو كَذَّابٌ فيما يزعم.
وقولُه:(مُشَافَهَةً) مصدرٌ لشافه الرباعي من باب فاعل يُقال: شافهه مشافهة إذا أدنى شفتَه من شفتِه وكَلَّمَه، وهو مصدرٌ منصوبٌ على الحالية من (الحَسَنُ) على تأويله بالمشتق؛ أي: حالة كونه مشافهًا مخاطبًا للبَدْرِيِّ، أو على النيابة عن المصدرِ؛ أي: تحديثَ مشافهة.
(ولا حَدَّثنا سعيدُ بن المُسَيّبِ عن بَدْرِيٍّ مُشَافَهَةً) أي: بلا واسطةٍ (إلَّا) ما روى سعيدُ بن المُسَيّب (عن سَعْدِ بنِ مالكٍ) أي: عن سَعْد بن أبي وَقَّاص.
قال النوويُّ: (والمرادُ بهذا الكلام: إبطالُ قولِ أبي داود هذا وزَعْمِهِ أنَّه لَقِيَ ثمانيةَ عَشَرَ بَدْرِيًّا، فقال قتادة: الحَسَنُ البصريُّ وسعيدُ بن المُسَيّب أكبرُ من أبي داود