أيها الناس (من ذا) القول في الأذان وتستغربونه وتنكرونه، لا تعجبوا منه بل (قد فعل) هـ (ذا) القول أي أمر بقوله (من هو خير) وأفضل (مني) ممن لا تسعكم مخالفته يعني النبي صلى الله عليه وسلم وإنما أمرت بذلك القول لـ (إن الجمعة عزمة) -بفتح العين وسكون الزاي- أي واجبة متحتمة، فلو قال المؤذن حي على الصلاة لكلفتم المجيء إليها ولحقتكم المشقة (وإني كرهت أن أحرجكم) -بضم الهمزة وسكون الحاء المهملة وكسر الراء- من الإحراج من الحرج وهو المشقة، أي أن أحملكم مشقة الخروج إلى الجمعة، وفي بعض النسخ أن أخرجكم بسكون الخاء المعجمة (فتمشوا في الطين والدحض) -بفتح الدال وسكون الحاء المهملة والضاد المعجمة آخره- وهو الزلق، وفي الرواية الآتية (الدحض والزلل) هكذا باللامين، والدحض والزلل والزلق والردغ -بفتح الراء وإسكان الدال المهملة وبالغين المعجمة- كله بمعنى واحد، ورواه بعض رواة مسلم رزغ بالزاي بدل الدال المهملة بفتحها وإسكانها وهو الصحيح؛ وهو بمعنى الردغ، وقيل هو المطر الذي يبل وجه الأرض اهـ نواوي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [١/ ٢٧٧] والبخاري [٩٠١] وأبو داود [١٠٦٦] وابن ماجه [٩٣٩].
قال القرطبي: وظاهر هذين الحديثين جواز التخلف عن الجماعة والجمعة للمشقة اللاحقة من المطر والريح والبرد وما في معنى ذلك من المشاق المحرجة في الحضر والسفر وهذا في غير الجمعة قريب إذ ليس غيرها بواجب على أصولنا، وأما في الجمعة ففيه إشكال وقد اختلف الناس في جواز التخلف عنها لعذر المطر والوحل، فذهب أحمد بن حنبل إلى جواز التخلف عنها للمطر الوابل وبمثله قال مالك في المطر الشديد والوحل في أحد القولين عنه، وروي عنه أنه لا يجوز، وحديث ابن عباس حجة واضحة على الجواز.
[فرع]: وعلى القول بالجواز عن مالك تترك لعذر تمريض المشرف على الهلاك القريب والزوجة والمملوك، وقال أبو القاسم: ولجنازة أخ من إخوانه ينظر في أمره، وقال ابن حبيب: ولغسل ميت عنده اهـ من المفهم.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: