قال القاضي عياض: أصل الحجر المنع، والمعنى أنَّه اقتطع موضعًا من المسجد منعه من غيره وحوطه بخصفة أو حصير وهما بمعنى، وقيل الخصفة ما خصف من خوص المقل، والحصير ما نسج من خوص النخل اهـ.
قال النواوي: شك بسر بن سعيد أو من دونه أي اللفظتين سمع من الراوي هل الخصفة أو الحصير، وإنما فعل ذلك ليتفرغ قلبه ويتوفر خشوعه بالبعد عن الناس، وقوله بخصفة متعلق باحتجر وهي واحدة الخصف وهو الحصير بمعنى واحد اهـ بتصرف، والمعنى اتخذ موضعًا من المسجد يصلي فيه محوطأ بخصفة أو حصير يخلو بنفسه في داخله ليصلي فيه ولا يمر بين يديه مار ولا تهوش بغيره ويتوفر خشوعه وفراغ قلبه، وفيه جواز فعل مثل هذا في المسجد إذا لم يكن فيه تضييق على المصلين ونحوهم ولم يتخذه دائمًا لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحتجرها في الليل يصلي فيها ويرفعها في النهار ويبسطها كما ذكره مسلم في الرواية التي بعد هذه ثم تركه النبي صلى الله عليه وسلم بالليل والنهار وعاد إلى الصلاة في البيت، وفيه أيضًا بيان ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من الزهد في الدنيا والأخذ بما لا بد منه (فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم) من بيته إلى المسجد حالة كونه (يصلي فيها) أي في تلك الحجيرة خاليًا عن الناس (قال) زيد بن ثابت (فتتبع إليه رجال) من أصحابه أي تطلب وفحص عن موضع صلاته رجال فعرفوه واجتمعوا إليه (وجاووا يصلون) مقتدين (بصلاته) ففيه جواز النافلة في المسجد، وجواز الجماعة في غير المكتوبة، وجواز الاقتداء بمن لم ينو الإمامة (قال) زيد (ثم جاؤوا ليلة) ثانية إلى المسجد (فحضروا) جنب الحجيرة فصلوا معه صلى الله عليه وسلم (وأبطأ رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم) أي تأخر عن الخروج إليهم في الليلة الثالثة (قال) زيد (فلم يخرج إليهم) رسولى الله صلى الله عليه وسلم في الليلة الرابعة (فرفعوا أصواتهم) في المسجد (وحصبوا الباب) أي باب حجرته أي رموه ونقروه حرصًا على خروجه إليهم للصلاة بالحصباء وهي الحصا الصغار وتنبيهًا له، وظنوا أنَّه نسي (فخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مغضبا) أي غضبان عليهم