وتعالى (لا يمل) بفتح الميم أي لا يقطع الإقبال عليكم بالإحسان (حتَّى تملوا) في عبادته وتقطعوا عملها وتتركوه، وفي رواية (لا يسأم حتَّى تسأموا) وهما بمعنى، والملل هو استثقال النفس من الشيء ونفورها عنه بعد محبته، وإطلاقه على الله تعالى من باب المشاكلة كما في قوله تعالى {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} كذا في المرقاة.
قال القرطبي: قوله (إن الله لا يمل حتَّى تملوا) ظاهره محال على الله تعالى فإن الملال فتور عن تعب وألم عن مشقة وكل ذلك على الله تعالى محال، وإنما أطلق هنا على الله تعالى على جهة المقابلة اللفظية مجازًا كما قال {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ}[آل عمران: ٥٤] وقال {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيكُمْ فَاعْتَدُوأ عَلَيهِ}[البقرة: ١٩٤] ووجه مجازه أنَّه تعالى لما كان يقطع ثواب عمل من مل العمل وقطعه عبر عن ذلك بالملل من باب تسمية الشيء باسم سببه اهـ من المفهم. قال القسطلاني: والمعنى والله أعلم اعملوا حسب وسعكم وطاقتكم فإن الله تعالى لا يعرض عنكم إعراض الملول ولا ينقص ثواب أعمالكم ما بقي لكم نشاط فإذا فترتم فاقعدوا فإنكم إذا مللتم من العبادة وأتيتم بها على كلال وفتور كانت معاملة الله معكم حينئذ معاملة الملول. قال التوربشتي: إسناد الملال إلى الله تعالى على طريق الازدواج والمشاكلة والعرب تذكر إحدى اللفظتين موافقةً للأخرى ديان خالفتهما معنى، وقيل معناه أن الله لا يمل من الثواب ما لم تملوا من العمل، ومعنى تمل تترك لأنه من مل شيئًا إذا تركه وأعرض عنه اهـ. ومذهب السلف الأسلم أن يقال إن الملل صفة منفية عنه تعالى نعتقد نفيها عنه لا نكيفها ولا نمثلها ليس كمثله شيء وهو السميع البصير (وإن أحب الأعمال إلى الله) أي عند الله سبحانه وتعالى أي أكثرها أجرًا وثوابًا عند الله تعالى (ما دووم عليه) -بضم الدال وبواوين أولاهما ساكنة ثانيتهما مكسورة- أي ما داوم وواظب عليه صاحبه (وإن قل) ذلك العمل المداوم عليه لأن تارك العمل بعد الشروع كالمعرض بعد الوصل، والقليل الدائم خير من الكثير المنقطع، والمراد بالمواظبة العرفية وإلا فحقيقة الدوام شمول جميع الأزمنة وهو غير مقدور عليه اهـ من المبارق (وكان آل محمد صلى الله عليه وسلم) أي أهله وأزواجه، قال النواوي: والظاهر أن المراد بالآل هنا أهل بيته وخواصه صلى الله عليه وسلم من أزواجه وقرابته