للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عَلَيهِ مَا سَمِعَ مِنْ أَبَانٍ، فَمَا عَرَفَ مِنْهَا إِلَّا شَيئًا يَسِيرًا خَمْسَةً أَوْ سِتةً

ــ

(عليه) أي: على النبي صلى الله عليه وسلم (ما سَمع من أبانِ) بنِ أبي عَيَّاش من تلك الأحاديث الموضوعة (فما عَرَفَ) النبي صلى الله عليه وسلم وما قَبِلَ (منها) أَي: من تلك الأحاديث التي سمعناها منه (إلا شيئًا يسيرًا) وعددا قليلًا منها، إمَّا (خمسةً) منها (أو سِتَّةً) أو سبعة مثلًا.

قال القاضي عياضٌ رحمه الله تعالى: (هذا ومِثْلُه استئناسٌ واستظهارٌ على ما تَقَرَّرَ من ضَعْف أَبَانٍ، لا أنه يُقطع بأمر المنام، ولا أنه تَبْطُلُ بسببه سُنة ثَبَتَتْ، ولا تَثْبُتُ به سُنَّةٌ لم تَثْبُتْ، وهذا بإجماعِ العلماء) اهـ (١)

وقال النووي: (وكذا نَقَلَ غيرُه من أصحابنا وغيرهم الاتفاقَ على أنه لا يُغير بسبب ما يراه النائمُ ما تَقَرَّرَ في الشرع، وليس هذا الذي ذكرناه مخالفا لقوله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ رآني في المنام .. فقد رآني حقا"؛ فإن معنى الحديث: أَن رُؤْيَتَه صحيحةٌ، وليستْ من أضغاثِ الأحلام وتلبيسِ الشيطان، ولكنْ لا يجوزُ إثباتُ حُكْم شرعي به؛ لأن حالة النوم ليستْ حالةَ ضبطٍ وتحقيقٍ لما يسمعه الرائي، وقد اتَّفَقُوا على أن مِنْ شَرْطِ مَنْ تُقبل روايتُه وشهادتُه: أن يكون متيقظا لا مغفَّلًا، ولا سيءَ الحفظ، ولا كثيرَ الخطإ، ولا مُخْتَل الضبط، والنائمُ ليس بهذه الصفَة، فلم تُقبل روايتُه لاختلالِ ضَبْطِه.

هذا كُلُّه في منامٍ يتعلَّقُ بإثباتِ حُكْمٍ على خلافِ ما يَحْكُمُ به الوُلاة، أما إذا رأى النبيَّ صلى الله عليه وسلم يأمره بفعلِ ما هو مندوبٌ إليه، أو ينهاه عن مَنْهِي عنه، أو يُرشده إلى فعلِ مصلحةٍ .. فلا خلافَ في استحباب العمل على وَفْقهِ؛ لأن ذلك ليس حُكْمًا بمُجَرَّدِ المنام، بل بما تَقَرَّر من أصل الشيء، والله أعلم) اهـ (٢).

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لِمَا مَر من جَرح الرواة بأثَر أبي إسحاق الفَزَاري فقال:


(١) "إكمال المعلم" (١/ ١٥٣).
(٢) "شرح صحيح مسلم" (١/ ١١٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>