وذلك بين المبعث والهجرة، وكان الظفر فيها للأوس، ويطلق اليوم ويراد به الوقعة، يقال ذكر في أيام العرب كذا أي في وقائعها كما في أساس البلاغة، و (بعاث) اسم حصن للأوس يصرف ولا يصرف، وبعضهم يقول (بغاث) بالغين المعجمة، وهو تصحيف قاله ابن الأثير، وقال المجد: وبعاث بالعين والغين كغراب، ويثلث موضع بقرب المدينة، ويومه معروف اهـ فليحرر.
(قالت) عائشة (وليستا) أي الجاريتان (بمغنيتين) أي ممن يعرف الغناء كما تعرفه المغنيات المعروفات بذلك، وهذا منها تحرز من الغناء المعتاد عند المشتهرين به، الذي يحرك النفوس ويبعثها على الهوى والغزل والمجون الذي يحرك الساكن ويبعث الكامن، وهذا النوع إذا كان في شعر يشبب فيه بذكر النساء ووصف محاسنهن وذكر الخمور المحرمات لا يختلف في تحريمه لأنه اللهو واللعب المذموم بالاتفاق، فأما ما سلم من تلك المحرمات فيجوز القليل منه في أوقات الفرح كالعرس والعيد وعند التنشيط على الأعمال الشاقة، ويدل على جواز هذا النوع هذا الحديث وما في معناه على ما يأتي في أبوابه مثل ما جاء في الوليمة، وفي حفر الخندق، وفي حدو الحبشة وسلمة بن الأكوع.
فأما ما ابتدعه الصوفية اليوم من الإدمان على سماع المغاني بالآلات المطربة فمن قبيل ما لا يختلف في تحريمه لكن النفوس الشهوانية والأغراض الشيطانية قد غلبت على كثير ممن ينسب إلى الخير وشُهر بذكره حتَّى عموا عن تحريم ذلك وعن فحشه حتَّى قد ظهرت من كثير منهم عورات المُجَّان والمخانيث والصبيان فيرقصون ويزفنون بحركات مطابقة وتقطيعات متلاحقة في أذكارهم كما يفعل أهل السفه والمجون، وقد انتهى التواقح بأقوام منهم إلى أن يقولوا إن تلك الأمور من أبواب القرب وصالحات الأعمال وأن ذلك يثمر صفاء الأوقات وسيئات الأحوال، وهذا على التحقيق من آثار الزندقة وقول أهل البطالة والمخرفة نعوذ بالله من البدع والفتن ونسأله التوبة والمشي على السنن اهـ من المفهم.
قال القاضي:(قولها وليستا بمغنيتين) أي ليس الغناء عادة لهما ولا هما معروفتان به إنما كان غناؤهما بما هو من أشعار الحرب والمفاخرة بالشجاعة والظهور والغلبة، وهذا لا يهيج الجواري على شر، ولا إنشادهما كذلك من الغناء المختلف فيه، وإنما هو