عليه وسلم أجلى بني النضير من موضعهم عند المدينة إلى خيبر فاجتمعت جماعة منهم ومن غيرهم من اليهود وخرجوا إلى مكة مستنفرين قريشًا إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجرؤوهم على ذلك وأجمعت قريش السير إلى المدينة ونهض اليهود إلى غطفان وبني أسد ومن أمكنهم من أهل نجد وتهامة فاستنفروهم إلى ذلك فتحزب الناس وساروا إلى المدينة واتصل خبرهم برسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بحفر الخندق حول المدينة وحصنها وكان أمرًا لم تعهده العرب وإنما كان من أعمال فارس والروم وأشار به سلمان الفارسي رضي الله عنه فورد الأحزاب قريش وكنانة والأحابيش في نحو عشرة آلاف عليهم أبو سفيان بن حرب ووردت غطفان عليهم عيينة بن حصن الفزاري وورد بنو عامر وغيرهم عليهم عامر بن الطفيل إلى غير هؤلاء فحصروا المدينة المشرفة في شوال سنة خمس وقيل سنة أربع وكانت بنو قريظة عاهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم على الهدنة وعاهدوه على أن لا يلحقه منهم ضرر فلما تمكن هذا الحصار داخلهم بنو النضير فغدروا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونقضوا العهد وصاروا من الأحزاب فضاقت الحال على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى المؤمنين ونجم النفاق وساءت الظنون ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبشر ويعد بالنصر من الله تعالى فألقى الله سبحانه وتعالى الرعب في قلوب المشركين ويئسوا من الظفر لمنعة الخندق ولما رأوا من صبر المؤمنين.
وجاء رجل من قريش اسمه نوفل بن الحارث واقتحم الخندق برأسه فقتل فيه فكان حاجزًا بينهم ثم إن الله تعالى بعث ريح الصبا لنصرة نبيه صلى الله عليه وسلم على الكفار فأسرت ذريتهم وتهدمت بيوتهم وأطفئت نارهم وقطعت حبالهم وأُكفئت قدورهم ولم يمكنهم معها قرار وبعث الله تعالى مع الصبا ملائكة تشدد الريح وتفعل نحو فعلها وتلقي الرعب في قلوب الكفرة حتى أزمعوا الرحلة بعد بضع وعشرين ليلة للحصر فانصرفوا خائبين وفي القصة أنزل الله تعالى {فَأَرْسَلْنَا عَلَيهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا} الآية فكان ذلك معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
(فإن قلت) كل من الريحين وقع فيه نصر وهلاك فبالصبا نصرته صلى الله عليه وسلم وهلكة قومه وبالدبور نصر هود - عليه السلام - وهلكة قومه فلم روعى في الصبا طرف النصرة وفي الدبور طرف الهلاك.