(حتى) والله (لقد رأيتني أريد) أي لقد رأيت نفسي مريدة (أن آخذ قطفًا) أي عنقودًا (من) عنب (الجنة) أي مريدة أخذ قطف من ثمار الجنة والقطف بكسر القاف وسكون الطاء هو ما يجتنى من الثمار والجمع قطوف قال تعالى {قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ} أي ثمارها قريبة يتناولها القائم والقاعد والمضطجع (حين رأيتموني جعلت) أي شرعت أن (أقدم) نفسي أو رجلي هو بضم الهمزة وفتح القاف وكسر الدال المشددة من التقديم بمعنى أتقدم هذا لفظ غير المرادى (وقال المرادي: أتقدم) من تفعَّل الخماسي (و) الله (لقد رأيت جهنم يحطم) من باب ضرب أي يكسر ويحرق (بعضها بعضًا حين رأيتموني تأخرت) عن مقامي إلى جهتكم فيه التأخر عن مواضع العذاب والهلاك وفي المفهم: قوله (يحطم) أي يكسر بعضها ويسقط كما يفعل البحر والحطم الكسر يحتمل أن يريد بذلك أن بعضها يأكل بعضًا وبذلك سميت جهنم الحطمة والرجل الحطمة وهو الأكول اهـ منه.
وقوله (وقد رأيت في منامي هذا) الخ هذه الرؤية رؤية عيان حقيقية لا رؤية علم بدليل أنه رأى في الجنة والنار أقوامًا بأعيانهم ونعيمًا وقطفًا من عنب وتناوله وغير ذلك ولا إحالة في إبقاء هذه الأمور على ظواهرها لا سيما على مذهب أهل السنة في أن الجنة والنار قد خلقتا.
ووجدنا كما دل عليه الكتاب والسنة وذلك أنه راجع إلى أن الله تعالى خلق لنبيه صلى الله عليه وسلم إدراكًا خاصًّا به أدرك به الجنة والنار على حقيقتهما كما قد خلق له إدراكًا لبيت المقدس فطفق يخبرهم آياته وهو ينظر إليه ويجوز أن يقال: إن الله تعالى مثل له الجنة والنار وصورهما له في عرض الحائط كما تتمثل صور المرئيات في المرآة ويعتضد بما رواه البخاري من حديث أنس في غير حديث الكسوف قال صلى الله عليه وسلم: (لقد رأيت الآن منذ صليت لكم الصلاة الجنة والنار متمثلتين في قبلة هذا الجدار) رواه البخاري (٧٤٩) وفي لفظ آخر: (عرضت علي الجنة والنار آنفًا في عرض هذا الحائط وأنا أصلي) رواه البخاري أيضًا (٥٤٠) وقال في مسلم: (إني صورت لي الجنة والنار فرأيتهما دون هذا الحائط) رواه مسلم (٢٣٥٩) من حديث أنس ولا يستبعد هذا حيث إن الانطباع في المرآة إنما هو في الأجسام الصقيلة لأنا نقول: إن ذلك شرط عادي لا عقلي ويجوز أن نخرق العادة وخصوصًا في مدة النبوة ولو سلم أن تلك الشروط عقلية فيجوز أن تكون تلك الأمور