للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

شَيْئًا في مَقَامِكَ هذَا. ثُمَّ رَأَينَاكَ كَفَفْتَ. فَقَال: "إِني رَأَيتُ الْجَنَّةَ. فَتَنَاوَلْتُ مِنْهَا عُنْقُودًا. وَلَوْ أَخَذْتُهُ لأَكَلْتُمْ مِنْهُ مَا بَقِيَتِ الدُّنْيَا. وَرَأَيتُ النَّارَ

ــ

لأخذ شيء (شَيْئًا في مقامك هذا ثم رأيناك كففت) أي توقفت أو كففت يدك يتعدى ولا يتعدى من الكف وهو المنع (فقال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إني رأيت الجنة) رؤيا عين كشف له عنها فرآها على حقيقتها وطويت المسافة بينهما كبيت المقدس حين وصفه لقريش وفي حديث أسماء الماضي في أوائل صفة الصلاة ما يشهد له حيث قال فيه: دنت مني الجنة حتى لو اجترأت عليها لجئتكم بقطاف من قطافها أو مثلت له في الحائط كانطباع الصور في المرآة فرأى جميع ما فيها وفي حديث أنس الآتي إن شاء الله تعالى في التوحيد ما يشهد له حيث قال فيه: (عرضت على الجنة والنار آنفًا في عرض هذا الحائط وأنا أصلي) وفي رواية (لقد مثلت) ولمسلم (صورت) ولا يقال: الانطباع إنما هو في الأجسام الصقيلة لأن ذلك شرط عادي فيجوز أن تنخرق العادة خصوصًا له - صلى الله عليه وسلم - (فتناولت) أي في حال قيامه القيام الثاني من الركعة الثانية كما رواه سعيد بن منصور من وجه آخر عن زيد بن أسلم (منها) أي من الجنة (عنقودًا) أي وضعت يدي عليه بحيث كنت قادرًا على تحويله لكن لم يقدَّر له قطفه (ولو أخذته) أي لو تمكنت من قطفه وأخذته (لأكلتم منه) أي من العنقود (ما بقيت الدنيا) وجه ذلك أنه يخلق الله تعالى مكان كل حبَّة تنقطف حبَّة أخرى والخطاب فيه عام في كل جماعة يتأتى منهم السماع.

والأكل إلى يوم القيامة لقوله: (ما بقيت الدنيا) وسبب تركه - صلى الله عليه وسلم - تناول العنقود قال ابن بطال: لأنه من طعام الجنة ولا يفنى والدنيا فانية لا يجوز أن يؤكل فيها ما لا يفنى وقال صاحب المظهر: لأنه لو تناوله ورآه الناس لكان إيمانهم بالشهادة لا بالغيب فيخشى أن يقع رفع التوبة قال تعالى: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ} [الأنعام: ١٥٨] وقال غيره: لأن الجنة جزاء لا يقع إلا في الآخرة اهـ من الإرشاد.

(ورأيت النار) بتقديم الراء على الهمزة مفتوحتين من الرؤية وفي رواية البخاري (وأُريت النار) بضم الهمزة وكسر الراء وضم التاء مبنيًّا للمفعول من الإراءة وهو يقتضي مفعولين وكانت رؤيته النار قبل رؤيته للجنة كما يدل له رواية عبد الرزاق حيث قال فيها: (عرضت على النبي - صلى الله عليه وسلم - النار فتأخر عن مصلاه حتى إن الناس ليركب بعضهم بعضًا وإذا رجع عرضت عليه الجنة فذهب يمشي حتى وقف في مصلاه) ويؤيده حديث مسلم عن جابر حيث قال فيه: (قد جيء بالنار وذلك حين رأيتموني تأخرت مخافة

<<  <  ج: ص:  >  >>