رواية:(من يبك عليه يعذب) وهذه الروايات من رواية عمر بن الخطاب وابنه عبد الله رضي الله تعالى عنهما وأنكرت عائشة ونسبتهما إلى النسيان والاشتباه عليهما وأنكرت أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك واحتجت بقوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وزْرَ أُخْرَى} قالت وإنما قال النبي صلى الله عليه وسلم في يهودية (إنها تعذب وهم يبكون عليها) يعني تعذب بكفرها في حال بكاء أهلها عليها لا بسبب البكاء.
واختلف العلماء في هذا الحديث الذي اختلفت الروايات فيه فتأوله الجمهور على من وصى بأن يبكى عليه ويناح بعد موته فنفذت وصيته فهذا يعذب ببكاء أهله عليه ونوحهم لأنه بسببه ومنسوب إليه قالوا: فأما من بكى عليه أهله وناحوا من غير وصية منه فلا يعذب لقول الله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وزْرَ أُخْرَى} قالوا: وكان من عادة العرب الوصية بذلك قالوا: فخرج الحديث مطلقًا حملًا على ما كان معتادًا لهم وهذا أصح التأويلات كما سيأتي.
وقالت طائفة: هذا الحديث محمول على من أوصى بالبكاء والنوح عليه أو لم يوص بتركهما فمن أوصى بهما أو أهمل الوصية بتركهما يعذب بهما لتفريطه بإهمال الوصية بتركهما فأما من وصى بتركهما فلا يعذب بهما إذ لا صنع له فيهما ولا تفريط منه وحاصل هذا القول إيجاب الوصية بتركهما ومن أهملها عذب بهما.
وقالت طائفة: معنى الحديث أنهم كانوا ينوحون على الميت ويندبونه بتعديد شمائله ومحاسنه في زعمهم وتلك الشمائل قبائح في الشرع يعذب بها كما كانوا يقولون: يا مرمل النسوان ومخرب العمران ومفرق الأخدان ونحو ذلك مما يرونه شجاعة وفخرًا وهو حرام شرعًا.
وقالت طائفة: معناه أنه يعذب بسماعه بكاء أهله ويرق لهم وإلى هذا ذهب محمد بن جرير الطبري وغيره وقال القاضي عياض: وهو أولى الأقوال واحتجوا بحديث فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم زجر امرأة عن البكاء على أبيها وقال: (إن أحدكم إذا بكى استعبر به صويحبه) يعني الميت فيا عباد الله لا تعذبوا إخوانكم وقالت عائشة: معنى الحديث أن الكافر أو غيره من أصحاب الذنوب يعذب في حال بكاء أهله عليه بذنبه لا ببكائهم والصحيح من هذه الأقوال الأربعة قول الجمهور المذكور أولًا كما مر هناك