للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَسَألْتُهُ عَنْ رَجُلٍ آخَرَ نَسِيتُ اسْمَهُ فَقَال: هَلْ رَأَيتَهُ فِي كُتُبِي؟ قُلْتُ: لَا، قَال: لَوْ كَانَ ثِقَةً .. لَرَأَيتَهُ فِي كُتُبِي

ــ

وهذه الجملة مؤكدةٌ للجُمَل السابقة على قاعدة المتقدمين من ذِكْرِ الشيء مفصَّلًا ثم ذِكْرِه مُجْمَلًا؛ لأنه أضبطُ، بخلاف المتأخرين؛ فإنهم يذكرون الشيء أولًا مجملًا ثم يذكرونه مُفَصّلًا؛ لأنه أوقعُ وأرسخُ في النفس.

وقال بِشْرُ بن عُمَرَ أيضًا: (وسَألْتُه) أي: وسألتُ مالكا (عن رجلٍ آخَرَ) غيرِ هؤلاء الخمسة (نَسِيتُ اسمَهُ) أي: اسمَ ذلك الآخَرِ وذَهَبَ عن قلبي الآن -وذلك الرجلُ اسمُه شُرَحْبِيلُ بن سَعْدٍ المدني الآتي قريبًا إن شاء الله تعالى كما تَدُل عليه عبارة "الميزان" في ترجمة شُرَحْبيل بن سَعْد كما نقلناها في محلّه -أي: سألتُه هل هو ثقةٌ أم لا؟ ..

(فقال) لي مالكٌ في الجواب: (هل رأيتَه) أي: هل رأيتَ اسمَ ذلك الرجلِ مكتوبًا (في كُتبُي) التي ألفْتُها وجَمَعْتُها في الحديث؛ (قلتُ) له: (لا) أي: ما رأيتُه في كتبك.

(قال) مالكٌ: (لو كان) ذلك الرجلُ الآخَرُ الذي سألتَني عن حاله (ثِقَةً) وثَبْتًا مأمونًا ومُتْقنًا ضابطًا في الحديث ( .. لَرَأَيتَه) أي: لرأيتَ اسمَ ذلك الرجل الآخر مكتوبا (في كُتبُي) التي أَلَّفْتُها في الحديث؛ لأنه لو كان ثقةً .. لأَخَذْتُ عنه الحديثَ وأَدْخَلْتُ اسمَه في سِلْسلةِ سَنَدي وعدادِ رجالي الذين نَقَلْتُ عنهم الحديثَ، فدَل عدمُ كتابتِه في كتُبي على أنّه ليس بثقة (١).

قال النووي: (وهذا الكلامُ تصريحٌ من مالك رحمه الله تعالى بأن مَنْ أَدْخَلَه في


(١) قال الحافظ الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (٨/ ٧٢) عقب قول الإمام مالك، ما نصه:
(فهذا القولُ يُعطيك بأنه لا يَروي إلا عَمَّن هو عنده ثقةٌ، ولا يَلْزَمُ من ذلك أنه يروي عن كُل الثقات، ثم لا يَلْزَمُ مِما قال أن كُل مَنْ رَوَى عنه -وهو عنده ثِقَةٌ- أن يكون ثقةً عند باقي الحُفاظ؛ فقد يَخفَى عليه من حال شيخِه ما يَظهَرُ لغيره، إلا أنه بكُل حالٍ كثيرُ التحري في نَقد الرجال، رحمه الله) اهـ وانظر نحو ذلك في "الحل المفهم" (١/ ٢٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>