إِنَّ خَلِيلِي أَبَا الْقَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم - دَعَانِي فَأَجَبْتُهُ. فَقَال:"أَتَرَى أُحُدًا؟ " فَنَظَرْتُ مَا عَلَيَّ مِنَ الشَّمْسِ وَأَنَا أَظُنُّ أَنَّهُ يَبْعَثُنِي فِي حَاجَةٍ لَهُ. فَقُلْتُ: أَرَاهُ. فَقَال:"مَا يَسُرُّنِي أَنَّ لِي مِثْلَهُ ذَهَبًا أُنْفِقُهُ كُلَّهُ. إِلَّا ثَلاثَةَ دَنَانِيرَ"
ــ
ثم علل أبو ذر قوله لهم ذلك الكلام بقوله:(إن خليلي) وحبيبي (أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم -) وهذا حديث مستقل تقدم الكلام عليه قريبًا.
قال الحافظ: وإنما أورده أبو ذر للأحنف لتقوية ما ذهب إليه من ذم اكتناز المال وهو ظاهر في ذلك إلا أنه ليس على الوجوب ومن ثم عقبه البخاري بالترجمة التي تليه فقال: (باب إنفاق المال في حقه) وأورد فيه الحديث الدال على الترغيب في ذلك وهو من أدل دليل على أن أحاديث الوعيد محمولة على من لا يؤدي الزكاة.
(دعاني) يومًا (فأجبته فقال) لي: (أترى) أي هل ترى وتبصر (أحدًا) جبل معروف بالمدينة واستفهامه له عن رؤيته لتحقق رؤيته حتى يشبه له ما أراد بقوله: (ما يسرني أن لي مثله ذهبًا) اهـ مفهم.
قال أبو ذر:(فنظرت ما) بقي (عليَّ من الشمس) لأعرف كم بقي من النهار فإنه كما حكاه ظن أنه - صلى الله عليه وسلم - يبعثه إلى جهة أحد في حاجة له.
قال السندي: أي تأملت ما علي من التعب بواسطة حرارة الشمس على تقدير الذهاب إلى أحد على ما فهمت من كلامه اهـ.
قال العيني: وفيه ما يشعر أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يرسل أفاضل أصحابه في حاجته يفضلهم بذلك لأنه يصير رسول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أي فنظرت ما بقي عليَّ من غروب الشمس (وأنا أظن) أي والحال أني أظن (أنه) - صلى الله عليه وسلم - (يبعثني) أي يرسلني (في) قضاء (حاجة له فقلت) له - صلى الله عليه وسلم -: (أراه) أي أرى أحدًا وأبصره (فقال: ما يسرني) ويعجبني (أن لي مثله) أي مثل أحد (ذهبًا) تمييز رافع لإبهام المثلية (أنفقه) لخاصة نفسي أي أنفق ذلك المثل (كله) في حوائجي (إلا ثلاثة دنانير) يعني دينارًا يرصده لدين أي يؤخره ودينارًا لأهله ودينارًا لإعتاق رقبة والله أعلم اهـ من المفهم.
قال الكرماني: يحتمل أن هذا المقدار كان دينًا أو مقدار كفاية إخراجات تلك الليلة له صلى الله عليه وسلم وهذا محمول على الأولوية لأن جمع المال وإن كان مباحًا