والذي تقدم في باب استحباب الذكر بعد الصلاة أن فقراء المهاجرين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا وقد سمى منهم في بعض روايات أبي داود أبا ذر الغفاري راوي حديث الباب وسمي منهم أبو الدرداء عند النسائي وغيره ويشعر سياق بعض الروايات أن أبا هريرة منهم والله أعلم كذا قاله الحافظ رحمه الله تعالى:
(يا رسول الله ذهب) أي استبد وفاز (أهل الدثور) أي أصحاب الأموال الكثيرة بضم المهملة والمثلثة جمع دثر بفتح ثم سكون وهو المال الكثير (بالأجور) الكثيرة والمثوبات الوفيرة وفي حديث أبي هريرة (بالدرجات العلى والنعيم المقيم) فمقصود الفقراء تحصيل الدرجات العلى والنعيم المقيم لهم أيضًا لا نفي زيادة الأغنياء مطلقًا.
وقوله:(يصلون) الليل (كما نصلي ويصومون) النهار (كما نصوم ويتصدقون بفضول أموالهم) أي بالأموال الفاضلة عن حاجاتهم ونحن فقراء لا نقدر على هذا التصدق واستبدوا منا وفاقوا علينا بأجر التصدق كلام مستأنف واقع في جواب سؤال مقدر كأنه قيل: كيف ذهبوا بالأجور فقالوا: يصلون كما نصلي الخ.
(قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أ) تقولون ذلك أي لا تقولوا ذلك فالهمزة للاستفهام التقريري المضمن للنهي (وليس) الشأن (قد جعل الله) سبحانه (لكم ما تصدقون) به قال النواوي: الرواية بتشديد الصاد والدال جميعًا ويجوز في اللغة تخفيف الصاد أي ثوابًا مثل ثواب ما تصدقون به اهـ مبارق.
وقال ابن الملك: والاستفهام في قوله: (أو ليس) لتقرير ما بعد النفي وما عطف عليه الواو محذوف أي أليس لكم ثواب مثل ثواب الأغنياء وليس قد جعل الله لكم اهـ.
وقوله (إن بكل تسبيحة) الخ استئناف بياني سيق لبيان ما أجمل من التصدق الذي أثبته لهم أي إن لكم بكل مرة من التسبيح (صدقة) أي ثوابًا مثل ثواب التصدق بالمال وكذا يقال فيما بعده.
قال القاضي: يحتمل تسميتها صدقة أن لها أجرًا كما للصدقة أجر وإن هذه الطاعات تماثل الصدقات وسماها صدقة على طريق المقابلة وتجنيس الكلام وقيل: معناه أنها صدقة على نفسه اهـ.