عما تركناه من كلامهم في ذلك، والكفاية بكسر الكاف: مصدر سماعي لكَفَى الثلاثي، يُقال: كفاه مؤُونته؛ أي: يَكْفِيه كفايةً إذا تحملها، واكتفى بالشيء إذا استغنى به عن طلبِ غيره، والكِفايةُ: الاكتفاء والاستغناءُ بالشيء عن طلب غيره.
والجارُّ والمجرورُ في قوله:(لِمَنْ تَفَهَّمَ) متعلِّقٌ بالكفاية؛ أي: وفيما ذَكَرْنَاه استغناءٌ عن طلب غيره مْمَّا تَرَكناه لِمَنْ تَفَهَّمَ ما قَدَّمناه، وتَفَعَّلَ هنا بمعنى الثلاثي؛ أي: كفايةٌ واستغناء عن طلب غيره لِمَنْ فَهِمَ ما قَدَّمْنَاه حَقَّ الفَهْمِ منطوقًا ومفهومًا.
وقولُه:(وعَقَلَ) معطوفٌ على (تَفَهَّمَ) أي: لمَنْ تَفَهَّمَ ما قَدَّمْنا وعَقَلَ مع ذلك وعَرَفَ (مَذْهَبَ القومِ) النُّقَّاد الذين هم أهلُ الجَرْح والتعديل، وطريقتَهم واصطلاحَهم (فيما قالوا من ذلك) الكلام الَّذي أوردوه في مُتَّهَمِي رُواة الحديث وغيرهم، كقولهم: فلانٌ صدوقٌ، أو لا بأس به، أو فيه لِين، أو ضَعفٌ، أو ضعيفٌ، أو متروكٌ، أو لا يُكتب حديثُه، أو يُكتب، أو يُعْتَبَرُ به، وكقولهم: فلان ثقةٌ، أو ثَبْتٌ، أو ثقةٌ ثَبْتٌ، أو ثقةٌ مُتْقِنٌ، أو مأمونٌ، إلى غير ذلك من عباراتهم في الجَرْح والتعديل.
وقولُه:(وبَيَّنُوا) معطوفٌ على (قالوا) عطفَ رديفٍ؛ أي: عَرَفَ مذهبهم واصطلاحهم فيما قالوه من إِثْبَاتِ الجَرْحِ والتعديل، وفيما بيَنُوه من معايب الرواة المتَّهمين، (وإنَّما أَلْزَمُوا) أي: وإنما أَلْزَمَ علماءُ الجرح والتعديل (أنفسَهم) وأَوْجَبُوا عليها (الكَشْفَ) والبحث والتفتيشَ (عن مَعَايِبِ) ونقائصِ مُتَّهَمِي (رُوَاةِ الحديثِ) المرفوعِ إلى النبي صلى الله عليه وسلم (و) معايبِ (ناقلي الأخبارِ) الموقوفةِ على الأصحاب أو الأتباع، ويحتملُ أنَّه من عطف المرادف.
وقولُه:(وأَفْتَوْا بذلك) معطوفٌ على (أَلْزَمُوا)، واسمُ الإشارةِ راجعٌ إلى المعايب؛ أي: وإنما أَلْزَمُوا أنفسَهم الكَشْف والبَحْثَ والتفتيشَ عن معايب الرواة وَأَفْتَوْا بذلك أي: أجابوا وأخبروا بذلك المذكور من معايب الرواة (حِينَ سُئِلُوا)