المعدِّلون أكثرَ .. قُدِّمَ التعديل، والصحيحُ الأول؛ لأن الجارح اطَّلَعَ على أَمْرِ خَفِيٌّ جَهِلَه المُعَدِّل (١).
الثالثة: قد ذَكَرَ الإمامُ مسلمٌ رحمه الله تعالى في هذا الباب: أن الشَّعْبيُّ رَوَى عن الحارث الأعور وشَهِدَ أنَّه كاذب، وعن غيره: حَدَّثَني فلان وكان مُتَّهَمًا، وعن غيره الرواية عن المغفلين والضعفاء والمتروكين، فقد يُقال: لِمَ حَدَّثَ هؤلاء الأئمة عن هؤلاء مع علمهم بأنهم لا يُحْتَجُّ بهم؟ ويُجاب عنه بأجوبة:
- أحدها: أنهم رَوَوْها ليَعْرِفُوها وليُبيِّنُوا ضَعْفَها؛ لئلّا يلتبس في وَقْتٍ عليهم، أو على غيرهم، أو يتشكَّكُوا في صحتها.
- ثانيها: أن الضعيفَ يكتب حديثه ليعتبرَ به، أو يُستشهدَ، ولا يُحتجّ به على انفراده.
- ثالثها: أن روايات الراوي الضعيف يكون فيها الصحيحُ والضعيف والباطلُ فيكتبونها، ثم يُمَيِّزُ أهلُ الحديث والإتقان بعضَ ذلك من بعض، وذلك سهل عليهم معروفٌ عندهم، وبهذا احْتَجَّ سفيانُ الثوريُّ رحمه الله تعالى حين نَهَى عن الرواية عن الكلبي، فقيل له: أنتَ تروي عنه؟ فقال: أنا أعلم صِدْقَه من كَذِبِه.
- رابعها: أنهم قد يَرْوُون عنهم أحاديثَ الترغيب والترهيب وفضائل الأعمال والقصص وأحاديث الزُّهْد ومكارم الأخلاق ونحو ذلك، مما لا يتعلَّقُ بالحلال والحرام وسائر الأحكام، وهذا الضرْبُ من الحديث يجوزُ عند أهلِ الحديث وغيرهم التساهلُ فيه، وروايةُ ما سوى الموضوع منه والعملُ به؛ لأن أصولَ ذلك صحيحةٌ مُقَرَّرَةٌ في الشرع، معروفةٌ عند أهله.
وعلى كُلِّ حالٍ: فإن الأئمة لا يَرْوُونَ عن الضعفاء شيئًا يَحْتَجُّون به على انفرادِه في الأحكام؛ فإن هذا شيء لا يفعله إمامٌ من أئمة المحدِّثين، ولا مُحَقِّقٌ من غيرهم من العلماء، وأمَّا فِعْلُ كثيرين من الفقهاء أو أكثرهم ذلك واعتمادهم عليه .. فليس بصواب، بل قبيح جدًّا، وذلك لأنه إن كان يَعْرِفُ ضَعْفَه .. لم يَحِلَّ له أنْ يَحْتَجَّ بِهِ؛