للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ. فَتُكْتَبُ شَهَادَةً فِي أَعْنَاقِكُمْ. فَتُسْأَلُونَ عَنْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ

ــ

حفظي منها (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون فتكتب) مقالتكم تلك (شهادة في أعناقكم) أي شاهدة عليكم معلقة في أعناقكم (فتسألون عنها) عن عدم العمل بها (يوم القيامة) وقوله: {لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: ٢] هو استفهام على جهة الإنكار والتوبيخ على أن يقول الإنسان عن نفسه من الخير ما لا يفعله إما في الماضي فيكون كذبًا أو في المستقبل فيكون خلفًا وكلاهما مذموم وكما قال تعالى: {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: ٣] وأما ما في هذا الحديث فإنما يتناول أن يخبر عن نفسه بشيء فعله فيما مضى ويمتدح به فقط بدليل قوله صلى الله عليه وسلم (فتكتب شهادة في أعناقكم) اهـ من المفهم.

وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم. قال القرطبي: قوله: (فأنسيتها) هذا ضرب من النسخ فإن النسخ على ما نقله علماؤنا على ثلاثة أضرب أحدها نسخ الحكم وبقاء التلاوة كآية الحول في العدة والثاني نسخ التلاوة وبقاء الحكم كآية الرجم والثالث نسخ الحكم والتلاوة كآية ثلاث رضعات يحرمن وكرفع هاتين السورتين اللتين ذكرهما أبو موسى فإنهما رفع حكمهما وتلاوتهما وهاتان السورتان مما قد شاء الله تعالى أن ينسيه بعد أن أنزله لحكمة أرادها لأن الله تعالى فعال لما يريد قادر على ما يشاء إذ كل ذلك ممكن ولا يتوهم متوهم من هذا وشبهه أن القرآن قد ضاع منه شيء فإن ذلك باطل بدليل قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: ٩] وبأن إجماع الصحابة ومن بعدهم انعقد على أن القرآن الذي تعبدنا بتلاوته وبأحكامه هو ما ثبت بين دفتي المصحف من غير زيادة ولا نقصان كما قررناه في أصول الفقه اهـ من المفهم بتصرف.

وقال القرطبي أيضًا أحاديث هذا الباب كلها متواردة على الإخبار عما جبل الإنسان عليه من حب المال والحرص على البقاء في الدنيا وعلى أن ذينك ليسا بمحمودين بل مذمومان ويحقق الذم في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم (ويتوب الله على من تاب) وقد نص الله تعالى على ذم ذلك في قوله: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ} [البقرة: ٩٦] وغيره مما في معناه وقوله صلى الله عليه وسلم: (ما ذئبان جائعان أرسلا في زريبة غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه) وقد تقدم أن القراء

<<  <  ج: ص:  >  >>