للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَقَدْ تَكَلَّمَ بَعْضُ مُنْتَحِلِي الْحَدِيثِ مِنْ أَهْلِ عَصْرِنَا في تَصْحِيحِ الأَسَانِيدِ

ــ

وشِبْهِها .. فهو صحيحٌ مقبولٌ يُحْتَجُّ به، وفي "الصحيحين" وغيرِهما من كُتُب الأصول من هذا الضرب كثيرٌ لا يحصى، كقتادة والأعمش والسُّفْيَانَين وهُشَيم وغيرهم، ودليل هذا: أن التدليسَ ليس كذبًا وإذا لم يكن كذبًا .. فقد قال الجماهير: إنه ليس محرمًا، والراوي عدلٌ ضابط، وقد بيَّن سماعَه فوجَبَ الحُكْمُ بصحته، والله أعلم.

واعْلَم: أن ما كان في "الصحيحين" عن المُدَلِّسين بعَنْ ونحوها .. فمحمولٌ على ثبوت السماع من جهةٍ أخرى، وقد جاء كثيرٌ منه في "الصحيحين" بالطريقين جميعًا، فيذكر رواية المدلِّس بعَنْ ثم يذكرها بالسماع ويقصد به هذا المعنى الَّذي ذكرتُه.

وأمَّا القسم الثاني: فأنْ يُسَمِّي شيخَه أو غَيره أو ينسبَه أو يَصِفَه أو يَكْنِيَهُ بما لا يُعرف به كَرَاهَةَ أن يُعرف، ويَحْمِلُه على ذلك كونه ضعيفًا أو صغيِرًا أو يستنكف أن يروي عنه لمعنًى آخر، أو يكون مُكثرًا من الرواية عنه فيُرِيدُ أنْ يُغيِّرَه كراهةَ تكرير الرواية على صورةِ واحدةِ، أو لغير ذلك من الأسباب، وكراهةُ هذا القسم أَخَفُّ، وسببُها: توعيرُ طريقِ معرفته، والله أعلم) اهـ من "النووي" أيضًا (١).

قال المؤلِّفُ رحمه الله تعالى: (وَقَدْ تَكَلَّمَ بَعْضُ مُنْتَحِلِي) ومُدَّعي علم (الحديثِ) ومنتسبيه، يقال: انتحل شِعْر غيرِه أو قولَ غيرِه إذا ادَّعاه لنفسه، وتَنَحَّلَ مثله، وفلان ينتحل مذهب كذا وقبيلة كذا إذا انتسب إليه. اهـ "مختار".

أي: وقد تَكَلَّمَ بعضُ العلماء الذين يَدَّعُون لأنفسهم معرفة علم مصطلح الحديث وينتسبون إليه حالة كونه (من أهلِ عَصْرِنا) وزماننا وقَرْينا، والعَصْر بفتح وسكون: الدهر، وكذا العُصْرُ بضم فسكون، والعُصُر بضمتين مثل عُسْر وعُسُر، قال امرؤ القيس الكندي من بحر الطويل:

أَلَا عِمْ صباحًا أيها الطَّلَلُ البالي ... وهل يَعِمَنْ مَنْ كان في العُصُرِ الخالي

والجمع: العُصُور اهـ "مختار"

والجارُّ والمجرورُ في قوله: (في تصحيح الأسانيد) وتقويتها وتضعيف الأسانيد


(١) "شرح صحيح مسلم" (١/ ٣٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>