الجواب عما يسأل عنه وهذا على ما ظنه الصحابة ويجوز أن يكون سكوته ليأتي بالعبارة الوجيزة الجامعة المفهمة وقد عد ابن دريد هذا الحديث وهو قوله (إن مما ينبت الربيع ما يقتل حبطا أو يلم) من الكلام المفرد الوجيز الذي لم يسبق صلى الله عليه وسلم إلى معناه وكل من وقع شيء منه في كلامه فإنما أخذه منه.
ويستفاد منه ترك العجلة في الجواب إذا كان يحتاج إلى التأمل ويؤيد أنه من الوحي قوله في رواية هلال عن عطاء (فأفاق يمسح عنه الرحضاء) أي العرق فإنه كانت عادته عند نزول الوحي كما تقدم في أحاديث بدء الوحي: (وإن جبينه ليتفصد عرقًا).
(ثم قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم للرجل: (كيف قلت) أيها الرجل (قال) الرجل: (قلت: يا رسول الله أيأتي الخير بالشر فقال له) أي للرجل (رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إن الخير) الحقيقي (لا يأتي إلا بخير) ولكن هذه الزهرة ليست بخير محض لما تؤدي إليه من الفتنة والمنافسة والاشتغال بها عن كمال الإقبال على الآخرة.
قال الحافظ: ويؤخذ منه أن الرزق ولو أكثر فهو من جملة الخير وإنما يعرض له الشر بعارض البخل به عمن يستحقه والإسراف في إنفاقه فيما لم يشرع وأن كل شيء قضى الله أن يكون خيرًا فلا يكون شرا وبالعكس ولكن يخشى على من رزق الخير أن يعرض له في تصرفه فيه ما يجلب له الشر اهـ.
(أوخير هو) بفتح الواو العاطفة على محذوف والهمزة للاستفهام الإنكاري داخلة على ذلك المحذوف وخير خبر مقدم وهو مبتدأ مؤخر والتقدير: أتقول ذلك وتظن أن هذا المال خير كله لا فإنه ليس خيرًا حقيقيًّا وإن سمي خيرًا لأن الخير الحقيقي هو ما يعرض له من الإنفاق في الحق كما أن الشر الحقيقي فيه هو ما يعرض له من الإمساك عن الحق والإخراج في الباطل ثم ضرب صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث مثلين أحدهما للمفرط في جمع الدنيا والمنع من حقها والآخر للمقتصد في أخذها والنفع بها وأشار إلى الأول منهما بقوله: (إن كل ما ينبت الربيع) قيل هو الفصل المشهور بالإنبات من فصول السنة الأربعة المجموعة في قول بعضهم: