و(إذْ) في قوله: (إذِ الإعراضُ) حرفُ تعليلٍ، علّل بها كون الإعراض عنه رأيًا متينًا ومذهبًا صحيحًا؛ إذِ الإعراضُ (عن) ذِكْرِ (القَوْلِ المُطَّرَح) أي: الساقطِ الواهي وتَرْكُ إيرادِه لفظًا ومعنَى (أَخرَى) وأَوْلَى (لِأمَاتَتِهِ) أي: لَإماتَةِ ذلك القول وإعدامِه (وإخْمَالِ ذِكْرِ قائِلِهِ) أي: إسقاطِ ذِكْرِ قائل ذلك القَوْلِ عن ألسنة الناس حتَّى يصيرَ هو وقولُه نَسْيًا مَنْسيًّا عند الناس.
وقولُه:(وأَجْدَرُ) وأَحَقُّ بـ (أَنْ لا يكونَ ذلك) أي: حكايتُه وذِكْرُ فسادِه (تنبيهًا) وإيقاظًا (للجُهَّال) والعوامّ (عليه) -أي: على نَشْرَهِ وإفشائهِ- معطوفٌ على (أَحْرَى)، وقولُه:(أَنْ لا يكونَ) على تقدير الباء المتعلِّقة بأَجْدَرُ، ويحتملُ أن تكون جملةُ:(أَنْ لا يكونَ) على تقديرِ لامٍ معلَّلة لمحذوف، و (أَجْدَرُ) عطف على (أَحْرَى)، والتقدير: وإنما كان الإعراضُ عن القَوْلِ المَطَّرَحِ أَحْرَى لإِمَاتَتِهِ وأَجْدَرَ بإخمال ذِكْرِ قائله؛ لئلا يكون ذلك المذكورُ من حكايته وذِكْرِ فسادهِ مُوقظًا للجُهَّالِ على إفشائِهِ ونشرِهِ.
يُقال: طَرَحَ الشيءَ وبالشيء: رماه، وبابُه قَطَعَ، واطَّرحه بتشديد الطاء: أَبْعَدَه، والمَطَّرَحُ: القولُ المبعدُ عن الصواب، والمُطارحة: إلقاءُ القومِ المسائلَ بعضهم على بعض، تقول: طَارَحَه الكلامَ متعدِّيًا إلى مفعولين.
وقولُه:(أَحْرَى لإِمَاتَتِه) أي: أَشَدُّ تحرِّيًا وقَصْدًا لإِماتَتِه، والتحرِّي في الأشياء: طَلَبُ ما هو أَحْرَى بالاستعمال في غالب الظَّنِّ؛ أي: أَجْدَرُ وأَخْلَقُ، واشتقاقُه من قولهم: هو حَرِيٌّ أَنْ يَفْعَلَ كذا؛ أي: أَجْدَرُ وخَلِيقٌ، وفلان يَتَحَرَّى كذا؛ أي: يتوخَّاه ويقصدُه.
وإِمَاتَةُ القولِ: إسقاطُه وإخراجُه عن حَيِّزِ الاعتبار في اللِّسان والجَنان والآذان بحيث لا يُلفظ ولا يُعتقد ولا يُسمع، وفي "القاموس": يُقال: خَمَل ذِكْرُه وصَوْتُهُ