والاستفهام فيه للتقرير (فهداكم الله) سبحانه وتعالى (بي) أي بسببي والمراد بالهداية الإيمان (و) ألم أجدكم (عالة) أي فقراء لا مال لهم جمع عائل وهو جمع مطرد في الأجوف الثلاثي من العيلة وهو الفقر (فأغناكم الله) سبحانه (بي) أي بسبب هجرتي إليكم (و) ألم أجدكم (متفرقين) أي متدابرين يعادي بعضكم بعضًا كما قال تعالى: {إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَينَ قُلُوبِكُمْ} الآية (فجمعكم الله) تعالى (بي) أي بسبب هجرتي إليكم وقد كانت الأنصار قبل الهجرة في غاية التنافر والتقاطع لما وقع بينهم من حرب بعاث وغيرها فزال ذلك كله بالإسلام كما قال تعالى: {لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَينَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَينَهُمْ}(ويقولون: الله ورسوله أمن) بفتح الهمزة والميم والتشديد أفعل تفصيل من المن أي أكثر منا وفضلًا وإحسانًا وفي حديث أبي سعيد: فقالوا: ماذا نجيبك يا رسول الله ولرسوله المن والفضل (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا تجيبوني فقالوا الله ورسوله أمن فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أما إنكم لو شئتم أن تقولوا) في جوابي لقلتم (كذا وكذا وكان من الأمر) أي من أمرك (كذا وكذا) هو كناية عما يقال: جئتنا مكذبًا فصدقناك ومخذولًا فنصرناك وطريدًا فآويناك وعائلًا فواسيناك ولفظ البخاري (لو شئتم قلتم جئتنا كذا وكذا) فدل على أن جواب لو محذوف في رواية مسلم كما قدرناه في حلنا حالة كونه يذكر (لأشياء عددها) لهم وأملاها عليهم (زعم) أي قال (عمرو) بن يحيى بن عمارة (أن لا يحفظها) أي أن لا يحفظ تلك الأشياء. وفي هذا رد على من قال: إن الراوي كنى عن ذلك عمدًا على طريق التأدب وصرح بذلك في حديث أبي سعيد وروى أحمد من حديث ابن أبي عدي عن حميد عن أنس بلفظ (أفلا تقولون: جئتنا خائفًا فآمناك وطريدًا فآويناك ومخذولًا فنصرناك قالوا: بلى المن علينا لله ولرسوله) انتهى وإنما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم تواضعًا وإنصافًا وإلا ففي الحقيقة الحجة البالغة والمنة الظاهرة في جميع ذلك له عليهم فإنه لولا هجرته إليهم وسكناه عندهم لما كان بينهم وبين غيرهم فرق نبه صلى الله عليه وسلم على ذلك بقوله: (أترضون) ويروى (ألا ترضون).