(فقال) لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم (ألا ترضون) أيها الأنصار (أن يذهب الناس بالشاء) جمع شاة كشياه وهي الغنم (والإبل وتذهبون) أنتم (برسول الله إلى رحالكم) ومنازلكم ففي هذا تنبيه لهم على ما غفلوا عنه من عظيم ما اختصوا به بالنسبة إلى ما اختص به غيرهم من عرض الدنيا الفانية كذا في عمدة القاري (الأنصار شعار) أي كالشعار لي والشعار بكسر المعجمة بعدها مهملة خفيفة الثوب الذي يلي الجلد من الجسد (والناس) سواهم (دثار) أي كالدثار بكسر المهملة ومثلثة خفيفة هو الثوب الذي يكون فوق الشعار وهي استعارة لطيفة لفرط قربهم منه وأراد أيضًا أنهم بطانته وخاصته وأنهم ألصق به وأقرب إليه من غيرهم زاد في حديث أبي سعيد (اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار قال: فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم وقالوا: رضينا برسول الله قسمًا وحظًا) والمعنى الأنصار هم البطانة والخاصة والأصفياء وألصق الناس بي من سائر الناس وهذا من مناقبهم الظاهرة وفضائلهم الباهرة اهـ نووي.
(ولولا الهجرة) لا يسعني تركها (لكنت امرأ من الأنصار) أي أتسمى بهم وأنتسب إليهم كما كانوا يتناسبون بالحلف لكن خصوصية الهجرة ومرتبتها سبقت وعلقت فهي أعلى وأشرف فلا تبدل بغيرها ولا ينتفى منها من حصلت له اهـ من المفهم.
قال الخطابي: أراد بهذا الكلام تألف الأنصار واستطابة نفوسهم والثناء عليهم في دينهم حتى رضي أن يكون واحدًا منهم لولا ما يمنعه من الهجرة التي لا يجوز تبديلها ونسبة الإنسان تقع على وجوه منها الولادية والبلادية والاعتقادية والصناعية ولا شك أنه لم يرد الانتقال عن نسب آبائه لأنه ممتنع قطعًا وأما الاعتقادي فلا معنى للانتقال فيه فلم يبق إلا القسمان الأخيران وكانت المدينة دار الأنصار والهجرة إليها أمرًا واجبًا أي لولا أن النسبة الهجرية لا يسعني تركها لانتسبت إلى داركم قال: ويحتمل أنه لما كانوا أخواله لكون أم عبد المطلب منهم أراد أن ينتسب إليهم بهذه الولادة لولا مانع الهجرة وقال ابن الجوزي: لم يرد صلى الله عليه وسلم تغير نسبه ولا محو هجرته وإنما أراد أنه لولا ما سبق من كونه هاجر لانتسب إلى المدينة وإلى نصرة الدين فالتقدير: لولا أن النسبة إلى الهجرة نسبة دينية لا يسع تركها لانتسب إلى داركم وقيل: معناه لكنت من الأنصار في الأحكام والعداد اهـ فتح الملهم.