ذلك الخبر (له) صلى الله عليه وسلم (قال) عبد الله: (ثم قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما غضب وسكت: (لقد أوذي) نبي الله (موسى) - عليه السلام - (بأكثر) أي بأشد (من هذا) الذي أوذيت به كرميه بالأدرة (فصبر) على ذلك الأذى فلي أسوة به وأشار بقوله (قد أوذي موسى) إلى قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ} الآية وقد حكى في صفة أذاهم ثلاث قصص إحداها قولهم: هو آدر وثانيها: في قصة موت هارون وثالثها: في قصته مع قارون حيث أمر البغي أن تزعم أن موسى راودها حتى كان ذلك سبب هلاك قارون اهـ من فتح الملهم.
قال القرطبي:(قول القائل في قسمة النبي صلى الله عليه وسلم: هذه قسمة) إلخ قول جاهل بحال النبي صلى الله عليه وسلم غليظ الطبع حريص شره منافق وكان حقه أن يقتل لأنه آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[التوبة: ٦] والعذاب في الدنيا هو القتل لكن لم يقتله النبي صلى الله عليه وسلم للمعنى الذي قاله وهو من حديث جابر: (لا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه) رواه الترمذي ولهذه العلة امتنع النبي صلى الله عليه وسلم من قتل المنافقين مع علمه بأعيان كثير منهم وبنفاقهم ولا يلتفت لقول من قال بإبداء علة أخرى لأن حديث جابر وغيره نص في تلك العلة وقد أمنت تلك العلة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا نفاق بعدها وإنما هو الزندقة كذلك قال مالك رحمه الله تعالى فمن آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم أو سبه قتل ولا يستتاب وهذا هو الحق والصواب واختلف في هذا العطاء الذي أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم للمؤلفة قلوبهم هل كان من الخمس أوكان من صلب الغنيمة والإجراء على أصول الشريعة أن يكون من الخمس ومنه أكثر عطاياه صلى الله عليه وسلم وقد قال صلى الله عليه وسلم: (ما لي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس والخمس مردود فيكم) رواه مالك في الموطأ وقد وصله النسائي والظاهر من مراجعة الأنصار وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا ترضون أن يرجع الناس بالشاة والبعير وترجعون برسول الله إلى رحالكم) أنه كان من صلب الغنيمة وأن ذلك إنما كان لما يعلم من رضا أصحابه ولطيب قلوبهم به أو يكون هذا مخصوصًا بتلك الواقعة وله أن يفعل ما شاء في الأموال والرقاب والأصل التمسك بقواعد الشريعة على ما تقررت والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ من المفهم.