وعبارة القرطبي هنا: فأما الضم فمعناه واضح وأما الفتح فعلى معنى إني إن جرت فيلزم أن تجور أنت من جهة أنك مأمور باتباعي فتخسر باتباع الجائر هذا معنى ما قاله الأئمة.
(قلت): ويظهر لي وجه آخر وهو أنه كأنه قال له: لو كنت جائرًا لكنت أنت أحق الناس بأن يجار عليك وتلحقك بادرة الجور الذي صدر عنك فتعاقب عقوبة معجلة في نفسك ومالك وتخسر كل ذلك بسببها لكن العدل هو الذي منع عن ذلك وتلخيصه لولا امتثال أمر الله تعالى في الرفق بك لأدركك الهلاك والخسار اهـ من المفهم.
(فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: دعني) أي اتركني (يا رسول الله فأقتل) بالنصب في جواب الأمر (هذا المنافق) وفي روايات أخر: إن خالد بن الوليد استأذن في قتله.
قال الحافظ: وقد ذكرت وجه الجمع بينهما في أواخر المغازي وأن كلًّا منهما سأل ثم رأيت عند مسلم من طريق جرير عن عمارة بن القعقاع بسنده فيه: فقام عمر بن الخطاب فقال لرسول الله: ألا أضرب عنقه قال: لا. ثم أدبر فقام إليه خالد بن الوليد سيف الله فقال: يا رسول الله ألا أضرب عنقه قال: لا فهذا نص أن كلًّا منهما سأل (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر: (معاذ الله) منصوب على المفعولية المطلقة بعامل محذوف وجوبًا تقديره: أعوذ بالله عوذًا وأستعيذ به استعاذةً من (أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي) قال الإسماعيلي: إنما ترك النبي صلى الله عليه وسلم قتل المذكور لأنه لم يكن أظهر ما يستدل به على ما وراءه فلو قتل من ظاهره الصلاح عند الناس قبل استحكام أمر الإسلام ورسوخه في القلوب لنفرهم عن الدخول في الإسلام وأما بعده صلى الله عليه وسلم فلا يجوز ترك قتالهم إذا هم أظهروا رأيهم وتركوا الجماعة وخالفوا الأئمة مع القدرة على قتالهم وقد ذكر ابن بطال عن المهلب قال: التالف إنما كان في أول الإسلام إذ كانت الحاجة ماسةً لذلك لدفع ضررهم فأما إذ أعلى الله الإسلام فلا يجب التألف إلا أن تنزل بالناس حاجة لذلك فلإمام الوقت ذلك.
وقال الأبي ناقلًا عن عياض: ولم يحكم فيهم أي في المنافقين النبي صلى الله عليه وسلم بعلمه بنفاقهم لأنه كان قد اشتهر في العرب أنهم من جملة المؤمنين والصحابة