ابنُ الصلاح- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كُلُّ كلامٍ لا يُبْدَأُ فيهِ بحمدِ اللهِ. . فهو أجذم"، وفي رواية ابن ماجه:"لا يُبْدَأُ بالحمدِ أقطع"، ورُوي:"بذكرِ اللهِ"(١)، فقال:
(الحمدُ) والحمدُ لغةً: الثناءُ باللسان على الجميل الاختياري، سواء كان في مقابلة نعمةٍ أم لا، وعُرْفًا: فعلٌ يُنْبِيءُ؛ أي: يَدُلُّ على تعظيمِ المُنْعِم بسبب كونهِ مُنْعِمًا، سواء كان قولًا باللسان بأنْ يُثْني عليه بها، أو اعتقادًا بالجَنان بأن يعتقد اتّصافَه بصفات الكمال، أو عملًا وخدمةً بالأركان والأعضاء بأن يجهد نفسَه في طاعته، فموردُ العرفي -أي: محلّه- عامٌ، ومُتَعَلَّقهُ -أي: سببُه الباعثُ عليهِ وهو النعمة- خَاصٌّ.
أي: جنس الاتصاف بجميع الكمالات في الذات والصفات والأفعال مستحقّ (للهِ) سبحانه وتعالى، ولم يعطف جملة الحمدلة على جملة البسملة إِشارةً إِلى استقلالِ كُلٍّ منهما في حصول التبرُّك به؛ أي: الحمد بأقسامه الأربعة، التي هي:
حمدُ قديمٍ لقديمٍ وهو حمدُ اللهِ تعالى نفسه بنفسه أزلًا؛ كقوله:{نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ}.
وحمدُ قديم لحادثٍ، وهو حمدُ اللهِ تعالى لعباده؛ أي: لأنبيائه وأوليائه؛ كقوله في نبينا صلى الله عليه وسلم:{وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}.
(١) رواه الإِمام أحمد في "مسنده" (٢/ ٣٥٩) من رواية أبي هريرة رضي الله عنه، ومن طريقه أورده السبكيُّ في "طبقات الشافعية الكبرى" (١/ ١٥ - ١٦)، والسخاويُّ في "الفتاوى الحديثية" رقم (٤٨) بلفظ: "كُلُّ كلامٍ أو أَمْرٍ ذِي بالٍ لا يُفتح بذِكْرِ الله. . فهو أبتر" أو قال: "أقطع"، ورواه الدارقطني في "سننه" (١/ ٢٢٩) في أول كَتاب الصلاة بلفظ: "كُلُّ أَمْرٍ ذِي بالٍ لا يُبدأ فيه بذِكْرِ اللهِ أقطع"، ورواه النسائي في "عمل اليوم والليلة" برقم (٤٩٧) مرسلًا عن الزهري بلفظ: "كُلُّ كلامٍ لا يُبدأ في أوله بذِكْرِ اللهِ. . فهوَ أبتر".