ويحتملُ كونُ (على) على معناها متعلِّقةَ بقوله: (موقوفًا)، ففي الكلام حينئذٍ تقديمٌ وتأخيرٌ، والتقديرُ: وكان هذا الخبرُ المَرْويُّ بالعنعنة عند هذا الزاعم (موقوفًا عليه) أي: على راويه المُعَنْعِنِ حتَّى يَرِدَ ويَثْبُتَ (سَمَاعُهُ) أي: سماعُ ذلك المُعَنْعِنِ (منه) أي: من صاحبه وشيخه (لشيءٍ من الحديث) سواءٌ (قَلَّ) ذلك الشيءُ الَّذي سمعه منه (أو كَثْرَ).
وقولُه:(في روايةٍ مِثْلِ مَا وَرَد) متعلِّقٌ بـ (يَرِد) أي: حتَّى يَرِدَ ويَثْبُتَ في روايةِ مَتْنٍ مُماثلٍ لما وَرَدَ ورُوي بالسَّنَدِ المُعَنعن سمَاعُهُ لشيءٍ من الحديث، وهذا على قراءة (مثل) بإضافة (رِوَايةٍ) إليه، وفي بعض النسخ بتنوين (رواية) وجَرِّ (مِثْلِ) على أنَّه صفةٌ لرواية، والمعنى: حتَّى يرد سماعُه منه في روايةٍ مماثلةٍ لما ورد ورُويَ بالعنعنة.
فصل
قال النوويُّ:(وحاصلُ ما في هذا الباب: أن مسلم رحمه الله تعالى ادَّعى إجماع العلماء قديمًا وحديثًا على أن المُعَنْعَن وهو الَّذي فيه (فُلانٌ عن فُلانٍ" محمولٌ على الاتصال والسماع إذا أمكن لقاءُ مَنْ أضيفت العنعنةُ إليهم بعضهم بعضًا، يعني مع براءتهم من التدليس.
ونَقَلَ مسلمٌ رحمه الله تعالى عن بعض أهل عصره أنَّه قال: لا تقومُ الحُجَّةُ بها ولا يُحمل على الاتصال حتَّى يَثْبُتَ أنهما التَقَيَا في عُمُرِهما مَرَّةً فأكثرَ، ولا يكفي إمكانُ تلاقيهما، قال مسلمٌ: وهذا قولٌ ساقطٌ مخترَعٌ مستحدثٌ لم يُسْبَقْ قائله إليه، ولا مُسَاعِدَ له مِنْ أَهل العلم عليه، وأن القولَ به بدعةٌ باطلةٌ.
وأَطْنَبَ مسلمٌ رحمه الله تعالى في الشناعة على قائله، واحتج مسلم بكلام مختصَرُه: أن المعنعن عند أهل العلم محمولٌ على الاتصال إذا ثَبَتَ التلاقي مع احتمالِ الإرسال، وكذا إذا أمكن التلاقي).
وهذا الَّذي صارَ إليه مسلمٌ قد أنكره المحققون وقالوا: هذا الَّذي صارَ إليه مسلمٌ ضعيفٌ، والذي رَدَّه هو المختارُ الصحيحُ الَّذي عليه أئمَّةُ هذا الفنِّ كعليِّ بن المديني والبُخَاريِّ وغيرِهما.