وَهَذَا الْقَوْلُ - يَرْحَمُكَ اللهُ - في الطَّعْنِ في الأَسَانِيدِ قَوْلٌ مُخْتَرَعٌ مُسْتَحْدَثٌ، غَيرُ مَسْبُوقٍ صَاحِبُهُ إِلَيهِ،
ــ
وقد زادَ جماعةٌ من المتأخرين على هذا، فاشترط القابسيُّ أن يكونَ قد أَدْرَكَه إدراكًا بَيِّنًا، وزاد أبو المظفّر السَّمْعانيُّ الفقيهُ الشافعيُّ فاشترط طولَ الصُّحْبة بينهما، وزادَ أبو عَمْرٍو الدانيُّ المُقْرِئ فاشترط معرفتَه بالرواية عنه.
ودليلُ هذا المذهبِ المختار الَّذي ذَهَبَ إليه البُخَارِيُّ وغيرُه: أن المعنعن مع التلاقي إنما يُحمل على الاتصال؛ لأن الظاهرَ من المعنعن غير المدلِّس: أنَّه لا يُطلق ذلك إلَّا مع السماع، بخلاف ما إذا لم يُعرف التلاقي.
وذَهَبَ بعضُ أهل العلم إلى أن المعنعن لا يُحْتَجُّ به مطلقًا؛ لاحتمال الانقطاع، وهذا المذهبُ مردودٌ بإجماع السلف، ودليلُهم ما أَشَرْنا إليه من حصول غلبة الظن مع الاستقراء، هذا حُكْمُ المُعَنْعَن.
واخْتُلِفَ في كلمةِ "أَنَّ" كقوله: حدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ أن سعيدَ بن المُسَيِّب قال كذا أو حدَّثَ بكذا أو نحوه، فالجمهورُ أن لفظةَ "أَنَّ" كعَنْ، فيُحمل على الاتصال بالشرط المتقدم، وقال أحمدُ بن حنبل ويعقوب بن شَيبة وأبو بكرِ البَرْدِيجِيُّ: لا تُحمل (أن) على الاتصال، والصحيحُ الأولُ، وكذا: قال وحدَّث وذَكَرَ وشِبْهُها، فكلُّه محمولٌ على الاتصالِ والسماع) اهـ (١).
هذا كُلُّه حُكْمُ غير المُدَلِّس، وأمَّا المُدَلِّسُ .. فقد مَرَّ الكلامُ فيه.
(وهذا القولُ) أي قول الَّذي شَرَطَ في صحة الاحتجاج بالمُعَنْعَنِ الاجتماعَ والتلاقيَ أو التشافُهَ أو إتيانَ روايةِ صحيحةٍ تَدُلُّ على ذلك.
وقولُه:(يَرْحَمُكَ الله) سبحانه وتعالى جملةٌ دعائيةٌ خاطبَ بها مَنْ سأله تأليفَ هذا الجامع كما مَرَّ في أول الكتاب.
أي: وهذا القولُ الَّذي قيل: (في الطعْنِ في الأسانيدِ) المُعَنْعَنَةِ وتضعيفها وعدمِ صحةِ الاحتجاج بها (قولٌ مُخْتَرَعٌ) أي: مختلقٌ اختلقه قائلُه مِنْ عندِ نفسه، (مُسْتَحْدَثٌ) أي: مُبْتَدَعٌ لم يَقُلْه أَحَدٌ من السَّلفِ (غَيرُ مسبوقٍ صاحبُه) أي: قائلُه (إليه) أي: إلى