للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَإنِ ادَّعَى قَوْلَ أَحَدٍ مِنْ عُلَمَاءِ السَّلَفِ بِمَا زَعَمَ مِنْ إِدْخَالِ الشَّرِيطَةِ فِي تَثْبِيتِ الْخَبَرِ .. طُولبَ بِهِ،

ــ

وذَهَبَ بعض المحدِّثين إلى أن الآحادَ التي في "صحيح البخاري" أو "صحيح مسلم" تفُيد العِلْمَ دون غيرها من الآحاد، وهذا القول باطل لا يَصِح.

وهذه الأقاويل كُلُّهَا -سوى قول الجمهور- باطلةٌ، فإبطال مذهب من قال: لا حُجَّةَ فيه ظاهرٌ، فلم تزل كتب النبي صلى الله عليه وسلم وآحاد رسله يُعمَلُ بها، ويُلزمهم النبي صلى الله عليه وسلم العملَ بذلك، واستمرَّ على ذلك الخلفاءُ الراشدون فمَنْ بعدهم، ولم تَزَل الخلفاء الراشدون وسائر الصحابة فمَنْ بعدَهم من السلف والخلف على امتثال خبر الواحد إذا أَخْبَرَهم بسُنَّةٍ، وقضائهم به، ورجوعهم إليه في القضاء والفُتْيا، ونَقضهم به ما حَكَمُوا به على خلافه، وطلبهم خبرَ الواحد عند عدم الحُجَّة ممَّنْ هو عنده، واحتجاجهم بذلك على مَنْ خالفهم، وانقياد المُخَالف لذلك، وهذا كُلُّه معروفٌ لا شَك في شيءِ منه، والعقل لا يُحيل العملَ بخبر الواحد، وقد جاء الشرع بوجوب العمل به، فوجب المصيرُ إليه.

وأمَّا من قال: يُوجِبُ العِلْمَ .. فهو مكابر للحِس، وكيف يحصلُ العِلْمُ واحتمالُ الغلط والوَهَمِ والكذبِ وغير ذلك مُتَطَرِّقٌ إليه؟ والله أعلم) اهـ (١).

(فإنِ ادَّعَى) هذا المخترعُ (قولَ أحدِ من عُلَمَاءَ السَّلَفِ) والسَّلَفُ: هُمْ مَنْ كانوا قبل الأربعمائة سنةٍ، والخَلَفُ من كانوا بعدها كما مَرَّ في أول الكتاب، أي: فإن ادَّعى هذا الزاعم الاستدلال بقولِ أحدٍ من علماء السَّلَف (بما زَعَم) أي: على ما زَعَمَه وقاله باختراعه.

وقولُه: (مِنْ إدْخَالِ) هذه (الشَّرِيطَةِ) التي شرطها: بيانٌ لما زعم، والشريطة: لغة في الشرط كما مرَّ؛ أي: من اشتراطِه هذه الشريطة التي هي عِلْمُ التَّلقي والاجتماع (في تثبيتِ الخَبَرِ) أي: في إثبات الخبرِ المعنعن وقبوله ( .. طُولبَ) هذا الزاعمُ (به) أي: ببيان ذلك القولِ؛ أي: ببيانِ صاحب ذلك القول.


(١) "شرح صحيح مسلم" (١/ ١٣٠ - ١٣٢)، وبعضه للقاضي عياض في "إكمال المعلم" (١/ ١٦٨ - ١٧٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>