قال النووي: (هذا الَّذي قاله مسلمٌ رحمه الله تعالى تنبيهٌ على القاعدة العظيمة التي يَنْبَني عليها معظمُ أحكام الشرع وهو وجوب العمل بخبر الواحد، فينبغي الاهتمامُ بها والاعتناءُ بتحقيقها، ونذكر هنا طرفًا في بيان خبرِ الواحد والمذاهبِ فيه مختصرًا.
قال العلماء: الخبرُ ضربان: متواترٌ، وآحادٌ.
فالمتواترُ: ما نقله عددٌ لا يمكن مواطأتهم على الكذب عن مثلهم، ويستوي طرفاه والوسطُ، ويخبرون عن حِسِّيٍّ لا عن مظنون، ويحصل العلم بقولهم، ثم المختارُ الَّذي عليه المحققون والأكثرون أن ذلك لا يضْبَطُ بعددٍ مخصوصٍ، ولا يشترط في المخبرين الإسلام ولا العدالة، وفيه مذاهب أخرى ضعيفة وتفريعات معروفة مستقصاة في كتب الأصول.
وأمَّا خبرُ الواحد: فهو ما لَمْ يوجَدْ فيه شروطُ المتواتر، سواء كان الراوي له واحدًا أو أكثر، واخُتلف في حُكْمه.
فالذي عليه جماهيرُ المسلمين من الصحابة والتابعين فمن بعدهم من المحدثين والفقهاء وأصحاب الأصول: أن خبرَ الواحدِ الثقةِ حُجَّةٌ من حجج الشرع يَلزم العمل به، ويفيد الظن ولا يفيدُ العِلْمَ، وأن وجوبَ العملِ به عرفناه بالشرع لا بالعقل.
وذهبت القدريَّة والرافضةُ وبعضُ أهل الظاهر إلى أنَّه لا يجبُ العملُ به، ثمَّ منهم مَنْ يقول: مَنَع من العمل به دليلُ العقل، ومنهم مَنْ يقول: مَنَع ذلك دليل الشرع، وذهب طائفة إلى أنَّه يجب العملُ به من جهة دليلِ العقل.
وقال الجُبَّائيُّ من المعتزلة: لا يجب العملُ إلَّا بما رواه اثنان عن اثنين، وقال غيره: لا يَجِبُ العملُ إلَّا بما رواه أربعةٌ عن أربعةٍ.
وذَهَبَتْ طائفةٌ من أهل الحديث إلى أنَّه يُوجِبُ العلم، وقال بعضهم: يُوجبُ العِلْمَ الظاهرَ دون الباطن.