فَقَال رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لا تَلْبَسُوا الْقُمُصَ،
ــ
السائل، وحديث ابن عباس ابتدأ به في الخطبة قاله في الفتح، والمحرم اسم فاعل من أحرم الرباعي، والإحرام لغة: مصدر أحرم الرجل إذا دخل في حرمة لا تنتهك ورجل حرام أي محرم كذا في الصحاح، وشرعًا: الدخول في حرمات مخصوصة أي التزامها غير أنه لا يتحقق شرعًا إلا بالنية مع الذكر والخصوصية، والمراد بالذكر التلبية ونحوها، وبالخصوصية ما يقوم مقامها من سوق الهدي وتقليد القلائد فلا بد من التلبية أو ما يقوم مقامها، فلو نوى ولم يلب أو بالعكس لا يصير محرمًا، وهل يصير محرمًا بالنية والتلبية أو بأحدهما بشرط الآخر؟ المعتمد ما ذكره الحسام الشهيد أنه بالنية لكن عند التلبية كما يصير شارعًا في الصلاة بالنية لكن بشرط التكبير لا بالتكبير كما في شرح اللباب كذا في رد المحتار اهـ فتح الملهم (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) في جواب السائل (لا تلبسوا) أيها المحرمون (القمص) بضمتين جمع قميص كسبيل وسبل؛ وهو الدرع، وذكر ابن الهمام أنهما سواء إلا أن القميص يكون مجيبًا من قبل الكتف، والدرع من قبل الصدر، قال العيني: في الحديث تحريم لبس القميص على المحرم ونبه به على كل مخيط من كل معمول على قدر البدن أو العضو منه وذلك مثل الجبة والقفازين اهـ وفي البحر أن ضابطه لُبس كل شيء معمول على قدر البطن أو بعضه بحيث يحيط به بخياطة أو تلزيق بعضه ببعض أو عقد خيوطه بعضها ببعض كالطاقية والشراريب، ويستمسك عليه بنفس لبسه فخصوص الخياطة غير معتبر بل لا فرق بين المخيط والمنسوج كالدروع والمعقود كالشراريب والملزق بعضه ببعض كاللبد قطنًا كان أو صوفًا أو شعرًا أو كتانًا أو جلدًا أو حشيشًا منسوجًا أو غير ذلك.
قال النواوي: قال العلماء: وهذا الجواب من بديع الكلام وجزله لأن ما لا يلبس منحصر فحصل التصريح به، وأما الملبوس الجائز فغير منحصر فقال: لا تلبسوا كذا وكذا، وتلبسون ما سواه إذ الأصل الإباحة، ولو عدد له ما يُلبس لطال به الكلام بل كان لا يؤمن أن يتمسك بعض السامعين بمفهومه فيظن اختصاصه بالمحرم، وأيضًا أن المقصود بيان ما يحرم لبسه لا بيان ما يحل له لبسه لأنه لا يجب له لباس مخصوص بل عليه أن يجتنب شيئًا مخصوصًا، وفيه إشارة إلى أن حق السؤال أن يكون عما لا يلبس لأنه الحكم العارض في الإحرام المحتاج لبيانه فالجواز ثابت بالأصل معلوم بالاستصحاب فكان الأليق السؤال عما لا يلبس، وقال غيره: هذا يشبه الأسلوب