أي: وكان كلامًا خَلْفًا ساقطًا يُنكره مَنْ خَلَفَ وجاء بعد السلف؛ أي: وكان قولًا مُحْدَثًا بعد السَّلَف، وكلامًا ساقطًا عند الخَلَف، فلا يُعَوَّلُ عليه لكَوْنِه مُخْتَرَعًا، ولا يُنْشَرُ لكونه ساقطًا، وقد تقدَّم لك في أول الكتاب أن السلف: من كانوا قبل تمام أربعمائة سنة من الهجرة، والخَلَف: مَنْ كانوا بعدها، وقيل: السلف: أهل القرن الأول والثاني، والخلف: مَنْ كان بعدهما، والله أعلم.
والفاءُ في قوله:(فلا حاجةَ) للإفصاح؛ لأنها أفصحتْ عن جوابِ شرطٍ مُقَدَّرِ تقديرُه: إذا عَرَفتَ قَدْرَ هذا القول وأردتَ بيانَ شأننا فيه .. فأقول لك: لا حاجةَ ولا افتقارَ ولا ضرورةَ (بنا في رَدِّه) أي: في رَدِّ هذا القول وإنكارِه إلى الإتيان (بـ) ـكلامِ (أكثرَ مِمَّا شَرَحْنا) وَبيَّنَا في رَدِّه وذَكَرْنا في إنكارِه.
وقولُه:(إذْ كان) تعليلٌ لنفي الحاجة؛ أي: وإنما لم نَحْتَجْ في رَدِّه إلى كلامٍ أكثرَ ممّا قُلْنا؛ لأنه كان (قَدْرُ) هذه (المقالةِ) المخترعة المستحدثة في رَدِّها (و) قَدْرُ (قائلِها) في الإنكار والاحتجاج عليه.
وقولُه:(القَدْرَ الذي وَصَفْناه) خبرُ كان؛ أي: كان قيمتُها وجزاؤُها القَدْرَ الذي وَصَفْنا وذَكَرْنا سابقًا، فلا حاجةَ إلى إطالة الكلام في رَدِّها والإنكارِ عليه.
(واللهُ) سبحانه وتعالى الإلهُ (المُسْتَعَانُ) أي: الذي يُسْتَعَانُ بحَوْلهِ وقوَّتِه (على دَفْع وَردِّ (ما خَالفَ) ونَاقَضَ (مَذْهَبَ العُلَمَاءِ) وطريقَ القُدماء من السلفِ الكرام والأئمةِ الأعلام (وعليه) سبحانه وتعالى لا على غيرِه (التُّكْلانُ) والاعتمادُ في إثبات منهج أهل الحقّ والصواب، وإليه الرُّجْعَى والمآب.
و(التُّكْلان) بضم التاء وإسكان الكاف: الاتكالُ والاعتمادُ على الغير، وفي "القاموس": وَكَلَ باللهِ يَكِلُ من باب وعبد، وتَوَكَّلَ على الله وأَوْكَلَ واتَّكَلَ: اسْتَسْلَمَ إليه، ووَكَلَ إليه الأمرَ وَكْلًا ووُكولًا: سَلَّمَه وتَرَكَهُ، والتَّوكُّلُ: إظهارُ العَجْزِ والاعتمادُ على الغير، والاسم التُّكْلانُ. اهـ