تلبيتهم في باب التلبية (أن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، وأهل الناس) الذين معه أي رفعوا (بهذا) اللفظ (الَّذي يهلون به) أي يرفعون أصواتهم الآن يعني التلبية المشهورة بينهم يعني أنهم لم يلتزموا هذه التلبية الخاصة التي لبى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ فهموا أنها ليست متعينة فإنه قد ترك صلى الله عليه وسلم كل أحد على ما تيسر له من ألفاظها، ومع هذا فلا بد أن يأتي الملبي بما يسمى تلبية لسانًا ولا يجزئ منها التحميد والتكبير ولا غيره عند مالك اهـ من المفهم.
وقال عياض: قوله (بهذا الَّذي يهلون به) يعني به من زيادتهم في الثناء على الله تعالى، وذلك كزيادة عمر رضي الله عنه: لبيك ذا النعماء والفضل الحسن، لبيك مرهوبًا منك ومرغوبًا إليك. وكزيادة ابنه: لبيك وسعديك، والخير في يديك، والرغباء إليك والعمل. وعن أنس رضي الله عنه: لبيك حقًّا تعبدًا ورقًا. والمستحب عند العلماء منهم الشافعي ومالك أن يأتي بتلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ليقتصر عليها إلَّا أن يزيد ألفاظًا رويت عنه صلى الله عليه وسلم كقوله لبيك إله الحق ونحوها اهـ (فلم يرد رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي لم ينكر (عليهم شيئًا منه) أي مما أهلوا به من التلبية التي أتوا بها من عندهم ولم ينههم عنه (ولزم رسول الله صلى الله عليه وسلم تلبيته) المذكورة في جمع أحواله وأوقاته إلى أن يشرع في الطواف أي استمر عليها (قال جابر رضي الله عنه لسنا) معاشر الصحابة إننوي إلَّا الحج) أي ليست نيتنا إلَّا الحج (لسنا نعرف العمرة) في أشهر الحج ونعتقد صحتها فيها وهو تأكيد وتقرير لمعنى الحصر في قوله لسنا ننوي إلَّا الحج أي لسنا ننوي شيئًا من النيات إلَّا نية الحج وكان محتملًا فأكده اهـ سنوسي، قال القرطبي: هذا الكلام يحتمل أن يخبر به عن حالهم الأول قبل الإحرام فإنهم كانوا يرون العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور كما تقدم، فلما كان عند الإحرام بين لهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "من أراد أن يهل بحج فليفعل، ومن أراد أن يهل بعمرة فليفعل، ومن أراد أن يهل بحج وعمرة فليفعل" فارتفع ذلك الوهم الواقع لهم كما سيأتي هذا إن شاء الله تعالى اهـ من المفهم.