أن تأذن لأحد بدخول دار الرجل ولا لامرأة ذات محرم منها إلَّا أن تظن أن الزوج لا يكره ذلك منها فإن شكت في أنَّه يكرهه لم تأذن لأن الأصل المنع حتَّى تظن اهـ (فإن فعلن ذلك) الإيطاء المذكور بدون رضاكم بلفظ صريح أو بقرائن (فاضربوهن ضربًا غير مبرح) -بضم الميم وفتح الموحدة وكسر الراء المشددة آخره حاء مهملة- من البرح -بفتح الباء وسكون الراء- وهو المشقة الشديدة؛ أي غير شديد ولا شاق أو غير جارح ولا كاسر عظم، والأول أحسن لأنه ليس بالحد وإنما هو تأديب، وفيه إباحة تأديب الرجل زوجته فإن ضربها الضرب الماذون فيه فماتت منه وجبت ديتها على عاقلة الضارب ووجبت الكفارة في ماله اهـ نووي (ولهن عليكم رزقهن) أي قوتهن من المأكول والمشروب وما يتبعه، وفي معناه سكناهن (وكسوتهن بالمعروف) أي على قدر كفايتهن دون سرف ولا تقدير أو باعتبار حالكم فقرًا ويسرًا، وعبارة القرطبي: أي بما يعرف من حاله وحالها وهو حجة لمالك حيث قال: إن النفقات على الزوجات غير مقدرات وإنما ذلك بالنظر إلى أحوالهم وأحوالهن اهـ من المفهم.
(و) لـ (قد تركت فيكم) أيتها الأمة (ما) أي أصلًا وحجة (لن تضلوا بعده) أي بعد التمسك به (أن اعتصمتم) وتمسكتم (به) أي بذلك الأصل وعملتم به أو المعنى لن تضلوا بعد تركي إياه فيكم، وفي هذا التركيب إبهام وتوضيح بعده وذلك لبيان أن هذا الشيء الَّذي تركه فيهم شيء جليل عظيم فيه جميع المنافع الدينية والدنيوية ثم لما حصل من هذا التشوق التام للسامع وتوجه إلى استماع ما يرد به بعده واشتاقت نفسه إلى معرفته بينه بقوله (كتاب الله) العزيز يعني القرآن الكريم بالنصب بدل من مفعول تركت، جزم به العراقي وإن كان الرواية وإلا فيجوز رفعه على أنَّه خبر لمحذوف أي وهو كتاب الله تعالى، ولم يذكر السنة مع أن بعض الأحكام يستفاد منها لاندراجها تحته فإن الكتاب هو المبين للكل بعضها بلا واسطة وبعضها بواسطة قال تعالى ({وَنَزَّلْنَا عَلَيكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيءٍ}[النحل: ٨٩]) وقال تعالى: ({لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيهِمْ}[النحل: ٤٤]) كذا في شرح المواهب، قال القاري: وإنما اقتصر على الكتاب لأنه مشتمل على العمل بالسنة لقوله تعالى: ({وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ}[المائدة: ٩٢]) وقوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}[الحشر: ٧]) فيلزم من العمل بالكتاب العمل بالسنة، وفيه