على لسانه وقلبه أنه منع ما جوزه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرأي والمصلحة فإن ذلك ظن من لا يعرف عمر ولا فهم استدلاله المذكور في الحديث، وإنما تمسك بقوله تعالى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} وظن أن ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه رضي الله عنهم إنما كان لعلة، وقد ارتفعت، ثم إنه أطلق الكراهة وأراد التحريم وقد فعل ذلك كثير يطلقون الكراهة وهم يريدون التحريم حذرًا من قوله تعالى {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ}[النحل: ١١٦] لأنه مما أداه إليه اجتهاده وهذا طريقة كبراء الأئمة كمالك والشافعي اهـ من المفهم بتصرف، وقوله أن يظلوا معرسين -بضم الميم وسكون العين وكسر الراء- جمع معرس وهو الذي يخلو بعرسه أي بزوجته، ولا يصح أن يكون من التعريس لأن الرواية -بسكون العين وتخفيف الراء- ولأن التعريس إنما هو النزول من آخر الليل ويناقضه يظلون ويروحون فإنهما إنما يقالان على عمل النهار والله تعالى أعلم، يقال أعرس الرجل إذا صار ذا عروس ودخل بامرأته عند بنائها والمراد هنا الوطء، والضمير في (بهن) للنساء وإن لم يذكرن لعلمه من المقام؛ أي كرهت أن يكونوا أول النهار واطئين بالنساء (في الأراك) أي في موضع يسمى بالأراك بقرب نمرة لتحللهم من الحج بالفسخ (ثم يروحون) أي يكونون في الرواح أي في آخر النهار (في) أعمال (الحج) حالة كونهم (تقطر) وتمطر (رووسهم) من مياه الاغتسال المسببة من الوقاع بعهد قريب، فبين عمر رضي الله عنه العلة التي لأجلها كره التمتع، وكان من رأيه كما قال الزرقاني: ينبغي عدم الترفه للحاج بكل طريق فكره قرب عهدهم بالنساء لئلا يستمر البلل إلى ذلك الحين بخلاف من بعد عهده بهن ومن تفطم ينفطم اهـ، والأراك بوزن سحاب القطعة من الأرض فيها أراك وهو شجر معروف يستاك بأغصانه والمراد به هنا موضع بعرنة كثير الأراك كذا في القاموس وشرحه والمعنى أني أكره التمتع لأن التحلل الذي فيه يفضي إلى مواقعة النساء إلى حين الخروج إلى عرفات.
ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديث أبي موسى وذكر فيه أربع متابعات.