مع غيره حدثنا، وفيما قرأه وحده على الشيخ أخبرني، وفيما قُرئ بحضرته في جماعة على الشيخ أخبرنا، وهذا اصطلاح معروف عندهم وهو مستحب عندهم، ولو تركه وأبدل حرفًا من ذلك بآخر صح السماع، ولكن ترك الأولى.
ومنها: أنه قال في الطريق الأول: حدثنا وكيع عن كهمس عن عبد الله بن بريدة عن يحيى بن يعمر، ثم في الطريق الثاني أعاد الرواية عن كهمس عن ابن بريدة عن يحيى فقد يقال هذا تطويل لا يليق بإتقان مسلم واختصاره، فكان ينبغي أن يقف في الطريق الأول على وكيع ويجمع معاذًا ووكيعًا في الرواية عن كهمس عن ابن بريدة والجواب عنه أن مسلمًا رحمه الله تعالى لدقة نظره وعظيم إتقانه وشدة احتياطه وخوفه من الله تعالى رأى أن الاختصار هنا يحصل به خلل، وذلك أن وكيعًا في هذا السند قال عن كهمس ومعاذًا قال حدثنا كهمس وقد عُلم مما قدمناه في باب المعنعن أن العلماء قد اختلفوا في الاحتجاج بالمعنعن، ولم يختلفوا في المتصل بحدثنا، فاتى مسلم رحمه الله تعالى بالروايتين كما سمعنا ليُعرف المتفق عليه من المختلف فيه وليكون راويًا باللفظ الذي سمعه ولهذا في كتابه نظائر.
قلت: وهذا من أظهر دليل على شدة ورعه رحمه الله تعالى، فإن مذهبه على ما سبق أن المعنعن والمتصل بلفظ حدثنا واحد، بل قدَّم الإجماع على ذلك فيما سبق ومع هذا لم يتركه الورع أن يبدل لفظ الراوي بما هو بمعناه عنده فلله دره ما أزكاه من ورع والله أعلم.
ومنها أنه في رواية وكيع قال عن عبد الله بن بريدة، وفي رواية معاذ قال عن ابن بريدة ولم يسمه فلو أتى بأحد اللفظين عنهما معًا حصل الخلل فإنه إنَّ قال ابن بريدة لم يُدْرَ اسمُه، وهل هو عبد الله أو أخوه سليمان بن بريدة، وإن قال عبد الله بن بريدة كان كاذبًا على معاذ فإنه ليس في روايته عبد الله.
وأما قوله في الراوية الأولى عن يحيى بن يعمر فلا يظهر لذكره أولًا فائدة، وعادة مسلم وغيره في مثل هذا أن لا يذكروا يحيى بن يعمر في الطريق الأول لأن الطريقين اجتمعا في ابن بريدة ولفظهما عنه بصيغة واحدة وهي العنعنة.
قال النووي: إلَّا أني رأيت في بعض النسخ في الطريق الأولى عن يحيى فحسب