فَإِنَّ قَوْمَكَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ سُنَّةٌ. قَال: فَقَال: صَدَقُوا. وَكَذَبُوا. قَال: قُلْتُ: مَا قَوْلُكَ: صَدَقُوا وَكَذَبُوا؟ قَال: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَدِمَ مَكَّةَ. فَقَال الْمُشْرِكُونَ: إِنَّ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ لَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَطُوفُوا بِالْبَيتِ مِنَ الْهُزْلِ
ــ
الرمل سنة مقصودة مطلوبة في الطواف أم لا؟ (فإن قومك) من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (يزعمون) أي يقولون (أنه) أي أن الرمل (سنة) مطلوبة مقصودة (قال) أبو الطفيل (فقال) ابن عباس (صدقوا) أي صدق قومي في بعض ما قالوا (وكذبوا) في بعضه (قال) أبو الطفيل (قلت) لابن عباس (ما قولك) أي ما معنى قولك يا ابن عباس (صدقوا وكذبوا قال) ابن عباس (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم مكة) لعمرة القضية (فقال المشركون) بعضهم لبعض (إن محمدًا وأصحابه) وهنتهم حمى يثرب فـ (لا يستطيعون) أي لا يقدرون (أن يطوفوا بالبيت) أي بالكعبة (من) أجل (الهزل) والجوع بسبب الحمى فاجتمعوا في الحرم لننظرهم كيف يطوفون هل هم قادرون عليه أم لا؟ قوله من الهزل بفتح الهاء وسكون الزاي هكذا هو في أكثر النسخ، وهكذا حكاه القاضي في المشارق وصاحب المطالع عن رواية بعضهم قالا وهو وهم أي خطأ لأن الهزل ضد الجد فلا يناسب المقام، والصواب (من الهزال) بضم الهاء وزيادة الألف بعد الزاي المفتوحة وهو ضد السمن، يقال هزل هزالًا وهو هزيل ضد سمن (قلت) وللأول معنىً وهو أن يكون بفتح الهاء والزاي لأن الهزل بالفتح مصدر هزلت هزلًا كضربته ضربًا بمعنى كلمته كلامًا غير جد أي لا معنى له بمعنى لا يستطيعون يطوفون لأن الله تعالى هزلهم أي أخبرهم بكلام لا معنى له أي لعب بهم كذا في الشرح، قال العلامة السندي: قوله (صدقوا وكذبوا) يريد أن قولهم سنة يتضمن شيئين أحدهما أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل الرمل وهم في ذلك صادقون، والثاني أنه فعله تشريعًا للناس وقصدًا لاقتدائهم به فيه وهم في ذلك كاذبون وذلك لأنه ما فعله إلا ضرورةً ودفعًا لطعن المشركين وما هذا سبيله لا يكون سنة والله أعلم اهـ، قال النووي: معنى هذا الكلام صدقوا في أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله وكذبوا في قولهم إنه سنة مقصودة لأنه لم يجعله سنةً مطلوبةً على تكرر السنين وإنما أمر به تلك السنة لإظهار القوة للكفار وقد زال ذلك المعنى فليس الآن بسنة وهذا معنى كلام ابن عباس وهو مذهبه وخالفه جميع العلماء من الصحابة والتابعين