(قال أبو الربيع حدثنا حماد) بصيغة السماع (حدثنا هشام) بن عروة (عن أبيه) عروة بن الزبير (قال) عروة (سئل أسامة وأنا شاهد) أي حاضر معه (أو قال) عروة (سألت أسامة بن زيد) والشك من هشام أي سألته عن كيفية مسيره صلى الله عليه وسلم إلى مزدلفة. وهذا السند من خماسياته غرضه بسوقه بيان متابعة عروة لابن عباس (وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أردفه) أي أركبه وراءَه (من عرفات) إلى مزدلفة، قال عروة (قلت) لأسامة (كيف كان يسير رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أفاض من عرفة) إلى مزدلفة (قال) أسامة (كان) صلى الله عليه وسلم (يسير) السير (العنق) أي السريع الوسط (فإذا وجد فجوة) أي متسعًا (نص) أي أسرع إسراعًا بليغًا، وقوله (يسير العنق) بفتح المهملة والنون وهو السير الذي بين الإبطاء والإسراع، وقال في المشارق: هو سير بمهل في سرعة، وقال القزاز: العنق سير سريع، وقيل هو المشي الذي يتحرك فيه عنق الدابة، وفي الفائق العنق الخطو الفسيح، وانتصب على المصدر المؤكد من لفظ الفعل أي يسير سيرًا سريعًا مع رفق فيه كذا في المبح، وقوله (فإذا وجد فجوة) أي ساحة واسعة، وبها فسر قوله تعالى:{وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ} والفجوة بفتح الفاء وسكون الجيم المكان المتسع، وفي بعض الروايات (فرجة) بضم الفاء وسكون الراء وهو بمعنى الفجوة، وقوله (نص) أي زاد سرعة، قال أبو عبيد: النص تحريك الدابة حتى يستخرج به أقصى ما عندها، وأصل النص غاية المشي ومنه نصصت الشيء رفعته ثم استعمل في ضرب سريع من السير، قال ابن خزيمة: في هذا الحديث دليل على أن الحديث الذي رواه ابن عباس عن أسامة أنه قال: فما رأيت ناقته رافعة يديها حتى أتى جمعًا أنه محمول على حال الزحام دون غيره اهـ وقال ابن عبد البر: في هذا الحديث كيفية السير في الدفع من عرفة إلى مزدلفة لأجل الاستعجال للصلاة لأن المغرب لا تصلى إلا مع العشاء بالمزدلفة فيجمع بين المصلحتين من الوقار والسكينة عند الزحمة ومن الإسراع عند عدم الزحام، وفيه أن السلف كانوا يحرصون على السؤال عن كيفية أحواله صلى الله عليه وسلم في جميع حركاته وسكناته ليقتدوا به في ذلك اهـ فتح الملهم.