والناس (النبيذ) وهو ما يعمل من الأشربة من التمر والزبيب والعسل وغير ذلك يقال نبذت التمر والزبيب إذا تركت عليه الماء حتى يشتد، قال النواوي: بحيث يطيب طعمه ولا يكون مسكرًا، فأما إذا طال زمنه وصار مسكرًا فهو حرام اهـ.
ثم الأظهر في ماء هذا النبيذ إنه من زمزم قاله الأبي، وتقدم الكلام على حكم هذا الشرب من ماء زمزم وأنه لما شرب له في شرح حديث جابر (أ) كان سقايتكم الناس النبيذ (من حاجة) وفقر (بكم أم) كان (من بخل) وشح بكم (فقال ابن عباس) للأعرابي (الحمد لله) على ما أولانا من الفضل والكرم (ما بنا من حاجة ولا بخل) أي ليس بنا فقر ولا بخل، ولكن (قدم النبي صلى الله عليه وسلم) في حجة الوداع راكبًا (على راحلته و) أردف (خلفه أسامة) بن زيد (فاستسقى) أي طلب السقاية منا، وفي رواية عكرمة عن ابن عباس عند البخاري (جاء إلى السقاية فاستسقى فقال العباس: يا فضل، اذهب إلى أمك فأت رسول الله صلى الله عليه وسلم بشراب من عندها فقال:"اسقني" قال: يا رسول الله إنهم يجعلون أيديهم فيه، قال:"اسقني" فشرب منه) الحديث، وفي رواية يزيد بن أبي زياد عن عكرمة عند الطبراني فالتهذيبه فذاقه فقطب ثم دعا بماء فكسره، قال: وتقطيبه إنما كان لحموضة وكسره بالماء ليهون عليه شربه كذا في الفتح (فأتيناه) صلى الله عليه وسلم (بإناء من) ماء زمزم مخلوط بـ (نبيذ فشرب) منه (وسقى فضله) أي أعطى ما فضل منه (أسامة) بن زيد فشربه (وقال) لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم (أحسنتم) إلى الناس يا آل العباس (وأجملتم) عملكم أي فعلتم الفعل الحسن الجميل ففيه الثناء على فعل الخير، قال عياض: وفيه فضل السقاية لا سيما للحجاج وابن السبيل (كذا) أي مثل هذا السقي (فاصنعوا) قال القرطبي: يعني السقاية بالنبيذ قصد بذلك التيسير عليهم وعدم الكلفة لأن النبيذ متيسر لكثرة التمر وليس ككلفة العسل (فلا يزيد تغيير ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم) وأقره، قال الأبي: إن كان سؤال الأعرابي عن سقيا قومه بعد الإسلام فجواب ابن عباس واضح وإن كان عما قبل الإسلام ففي مطابقة الجواب نظر.