عند الجماهير على قول الشهادتين واستغنى بذكر إحداهما عن الأخرى لارتباطهما وشهرتهما والله أعلم.
أما إذا أقر بوجوب الصلاة أو الصوم أو غيرهما من أركان الإسلام وهو على خلاف ملته التي كان عليها فهل يجعل بذلك مسلمًا؟ فيه وجهان لأصحابنا فمن جعله مسلمًا قال: كل ما يكفر المسلم بإنكاره يصير الكافر بالإقرار به مسلمًا، أما إذا أقر بالشهادتين بالعجمية وهو يحسن العربية فهل يجعل بذلك مسلمًا؟ فيه وجهان لأصحابنا الصحيح منهما أنه يصير مسلمًا لوجود الإقرار، وهذا الوجه هو الحق، ولا يظهر للآخر وجه، وقد بينت ذلك مُستقصى في شرح المهذب والله أعلم.
(واعلم) أن مذهب أهل الحق أنه لا يُكفَّر أحد من أهل القبلة بذنب، ولا يُكفَّر أهل الأهواء والبدع، وأن من جحد ما يعلم من دين الإسلام ضرورة حكم بردته وكفره إلَّا أن يكون قريبَ عَهْدِ بالإسلام أو نشأ ببادية بعيدة أو نحوه ممن يخفى عليه فيُعرف ذلك فإن استمر حُكم بكفره، وكذا حُكم من استحل الزنا أو الخمر أو القتل أو غير ذلك من المحرمات التي يعلم تحريمها ضرورة والله أعلم انتهى نووي.
(قال) الرجل السائل (فأخبرني) يا محمد (عن) حقيقة (الإيمان قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم مجيبًا له حقيقة الإيمان وأركانه ستة الأول (أن تؤمن) وتصدق (بـ) ـوجود (الله) سبحانه وتعالى وأنه لا يجوز عليه العدم وأنه تعالى موصوف بصفات الجلال والكمال من العلم والقدرة والإرادة والكلام والسمع والبصر والحياة وغيرها وأنه تعالى منزه عن صفات النقص التي هي أضداد تلك الصفات وعن صفات الأجسام والمتحيزات وأنه واحد صمد فرد خالق جميع المخلوقات متصرف فيها بما يشاء من التصرفات يفعل في ملكه ما يريد ويحكم في خلقه ما يشاء.
(واعلم) أن سؤال جبريل - عليه السلام - عن الإيمان والإسلام بلفظ (ما) كما في حديث أبي هريرة الآتي يدل على أنه إنما سأل عن حقيقتهما عنده لا عن شرح لفظهما في اللغة، ولا عن حكمهما لأن ما في أصلها إنما يسأل بها عن الحقائق والماهيات، ولذلك أجابه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "أن تؤمن بالله وبكذا وكذا فلو كان سائلًا عن شرح لفظهما في اللغة لما كان هذا جوابًا له، لأن المذكور في الجواب هو المذكور في السؤال، ولمّا كان الإيمان في اللغة معلومًا عندهما أعاد في الجواب لفظه، وبين له