متعلقاته وأنه قصره على تصديق بأمور مخصوصة اهـ قرطبي.
وقال القاضي عياض: فرَّق في هذا الحديث بين الإيمان والإسلام فجعل الإيمان عمل قلب، والإسلام عمل جوارح، ومثله في حديث ضمام، وفسَّر في حديث الوفد الإيمان بما فسر به الإسلام هنا وبالجملة الإيمان لغة: هو التصديق بأي شيء كان وهو في الشرع التصديق والنطق معًا فأحدهما ليس بإيمان، أما التصديق فلأنه لا ينجي وحده من النار، وأما النطق فهو وحده نفاق، وتفسيره في هذا الحديث الإيمان بالتصديق والإسلام بالعمل إنما فسر به إيمان القلب، والإسلام في الظاهر، لا الإيمان الشرعي والإسلام الشرعي، فإنَّ الشرعي من كل منهما ما أنجى من الخلود، وليس المُنجي منه إلَّا التصديق والنطق معًا، ثم كمال كل واحدٍ من الإيمان الشرعي والإسلام الشرعي إنما هو بالأعمال المذكورة في الحديث، فإذا كمل أحدهما بذلك أنجى من النار رأسًا، ثم بإضافة العمل إلى الإيمان يقبل الزيادة والنقص عند الأشاعرة انتهى منه.
(و) الثاني أن تؤمن بـ (ـملائكته) أي أن تصدق بوجودهم على ما وصفوا به في كتاب الله سبحانه وتعالى من أنهم {عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (٢٦) لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} [الأنبياء: ٢٦ - ٢٧] ومن أنهم {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}[التحريم: ٦] ومن أنهم {يُسَبِّحُونَ اللَّيلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ (٢٠)} [الأنبياء: ٢٠]، ومن أنهم سفراء الله بينه وبين رسله، والمتصرفون كما أذن لهم في خلقه.
والملائكة جمع ملك، وقد اختلف في اشتقاقه ووزنه، فقال ابن شميل: لا اشتقاق له، وقال ابن كيسان فعل من المُلك، وقال أبو عبيدة: هو مفعل من لأك أي أرسل، وقال غيره: إنه مأخوذ من الألوكة وهي الرسالة، فكأنها تؤلك في الفم قال لبيد:
وغلام أرسلته أمه ... بألوكٍ فبذلنا ما سأل
فأصله على هذا مالك فالهمزة فاء الفعل لكنهم قلبوها إلى عينه فقالوا ملأك ثم سهلوه فقالوا ملاك، وقد جاء على أصله في الشعر، قال أبو وجزة يمدح عبد الله بن الزبير رضي الله عنه:
فلستَ لإنسيّ ولكن لملأك ... تنزل من جو السماء يصوب