للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مَا تَرَكتُكُمْ. فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ. فَإذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ

ــ

اتركوني عن السؤال (ما تركتكم) عن الأمر، وفيه أن الأصل عدم الوجوب وأنه لا حكم قبل الشرع، قال الحافظ: والمراد بهذا الأمر ترك السؤال عن شيء لم يقع خشية أن ينزل به وجوبه أو تحريمه وعن كثرة السؤال لما فيه غالبًا من التعنت وخشية أن تقع الإجابة بأمر يستثقل فقد يؤدي لترك الامتثال فتقع المخالفة اهـ، وقال القرطبي: معنى ذروني أي احملوا اللفظ على مدلوله الظاهر لغة وإن صلح لغيره فلا تكثروا في الاستقصاء خوف أن يكثر الجواب، فالمعنى في الحديث حجوا المرة الواحدة لأنها مدلول اللفظ وإن صلح للتكرار فيتعين التغافل عنه، ولا يكثر السؤال فيه خوف أن يكثر الجواب كما اتفق لبني إسرائيل في البقرة إذ قيل لهم: اذبحوا بقرة فلو بادروا وذبحوا أي بقرة صدق اللفظ وعدوا ممتثلين، ولكن لما أكثروا السؤال كثر الجواب وشددوا فشدد عليهم وذموا على ذلك فخاف صلى الله عليه وسلم على أمته مثل ذلك ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فإنما هلك من كان قبلكم) من اليهود والنصارى (بكثرة سؤالهم) لأنبيائهم كسؤال الرؤية والكلام مع الله سبحانه وقضية البقرة قاله في المرقاة، قال الأبي: وفيه مرجوحِيّة كثرة السؤال، ومنه ما اتفق لأسد بن الفرات مع مالك حين أكثر السؤال بقوله: فإن كان كذا فقال له مالك: هذه سلسلة بنت أخرى إن أردت هذا فعليك بأهل العراق إلَّا أن يقال لا يلزم من المنع هنا المنع في غيره لما أشار إليه صلى الله عليه وسلم من أنَّه في مقام التشريع فخالف الافتراض فيما يشق ولا يقدر عليه اهـ (و) بـ (اختلافهم على أنبيائهم) قال الأبي: فهو زيادة على ما وقع فإن الذي وقع إنما هو إلحاح في السؤال لا اختلاف، وقال: واختلافهم عطف على الكثرة لا على السؤال لأن نفس الاختلاف موجب للهلاك من غير الكثرة يعني إذا أمرهم الأنبياء بعد السؤال أو قبله، واختلفوا عليهم فهلكوا واستحقوا الإهلاك (فهإذا أمرتكم بشيء) مطلق من أوامر الشرع كما إذا قال: صم أو صل أو تصدق (فأتوا منه) أي من ذلك الشيء الذي أمرتكم به أي فافعلوا منه (ما استطعتم) أي ما قدرتم عليه فيكفي من ذلك المذكور آنفًا أقل ما ينطلق عليه الاسم فيصوم يومًا ويصلي ركعتين ويتصدق بشيء يتصدق بمثله لأن ما لا يدرك كله لا يُترك جُله فإن قيد شيئًا من ذلك بقيود ووصفه بأوصاف لم يكن بد من امتثال أمره على ما فصل وقيد، وإن كان فيه أشد المشقات وأشق التكاليف وهذا مما لا يختلف فيه إن

<<  <  ج: ص:  >  >>