شاء الله تعالى أنَّه هو المراد من الحديث اهـ من المفهم (وإذا نهيتكم) أي زجرتكم (عن شيء) من نواهي الشرع (فدعوه) أي فاتركوه ولا تقربوا إلى شيء منه يعني أن النهي على نقيض الأمر وذلك أنَّه لا يكون ممتثلًا بمقتضى النهي حتَّى لا يفعل واحدًا من آحاد ما يتناوله النهي، ومن فعل واحدًا فقد خالف وعصى فليس في النهي إلَّا ترك ما نُهي عنه مطلقًا دائمًا وحينئذ يكون ممتثلًا لترك ما أُمر بتركه بخلاف الأمر على ما تقدم، وهذا الأصل إذا فهم هو ومسألة مطلق الأمر هل يحمل على الفور أو التراخي أو على المرة الواحدة أو على التكرار؟ وفي هذا الحديث أبواب من القصة لا تخفى اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث النَّسائيّ [٥/ ١١٠ - ١١١].
وقوله:(فإذا أمرتكم بشيء فائتوا منه) إلخ قال الحافظ: فيه إشارة إلى الاشتغال بالأهم المحتاج إليه عاجلًا عما لا يحتاج إليه في الحال فكأنه قال: عليكم بفعل الأوامر واجتناب النواهي فاجعلوا اشتغالكم بها عوضًا عن الاشتغال بالسؤال عما لم يقع فينبغي للمسلم أن يبحث عما جاء عن الله ورسوله، ثم يجتهد في تفهم ذلك والوقوف على المراد به، ثم يتشاغل بالعمل به فإن كان من العلميات يتشاغل بتصديقه واعتقاد حقيته، وإن كان من العمليات بذل وسعه في القيام به فعلًا وتركًا، فإن وجد وقتًا زائدًا على ذلك فلا بأس بأن يصرفه في الاشتغال بتعرف حكم ما سيقع على قصد العمل به أن لو وقع فأما إن كانت الهمة مصروفة عند سماع الأمر والنهي إلى فرض أمور قد تقع وقد لا تقع مع الإعراض عن القيام بمقتضى ما سمع فإن هذا مما يدخل في النهي، فالتفقه في الدين إنما يُحمد إذا كان للعمل لا للمراء والجدال اهـ.
قوله:(ما استطعتم) قال الطيبي: هذا من أَجل قواعد الإِسلام ومن جوامع الكلم ويندرج فيه ما لا يُحصى من الأحكام كالصلاة بأنواعها فإنَّه إذا عجز عن بعض أركانها أو شروطها يأتي بالباقي منها، قال النووي: وهذا الحديث موافق لقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}.
قوله:(فدعوه) قال الحافظ: ثم إن هذا النهي عام في جميع المناهي ويستثنى من ذلك ما يكره المكلف على فعله كشرب الخمر وهذا على رأي الجمهور، وخالف قوم فتمسكوا بالعموم فقالوا: الإكراه على ارتكاب المعصية لا يبيحها، والصحيح عدم المؤاخذة إذا وُجدت صورة الإكراه المعتبرة اهـ.