للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ

ــ

واسمه وسبب مجيئه إلى الله ورسوله وأردتم بيان ذلك لكم فأقول لكم إن جنس ذلك السائل هو الملك، وإن اسمه جبريل، وحكمة مجيئه أنه (أتاكم يعلمكم دينكم) أي أتاكم حالة كونه معلمًا إياكم قواعد دينكم وأساسه وأصوله أي حالة كونه مريدًا التسبب في تعلمكم دينكم بسؤاله إياي، وجملة يُعلم في محل النصب حال من فاعل أتاكم، كما قدرنا، قال السهيلي: جبريل - عليه السلام - ملك متوسط بين الله تعالى ورسله عليهم السلام ولفظه سرياني، ومعناه عبد الرحمن أو عبد العزيز فيما ذُكر عن ابن عباس مرفوعًا، والأصح فيه الوقف، والأكثر على أن آخر الاسم هو الله تعالى، وقال ابن دريد وغيره: إن الإضافة في لسان العجم عكس ما هي عند العرب، فيقولون في غلام زيد مثلًا: زيد غلام، فعلى هذا يكون إيل عبارة عن عبد وأول الاسم هو الله تعالى.

وعبارة المفهم قوله: "إنه جبريل" دليل على أن الله تعالى مكن الملائكة من أن يتمثلوا فيما يشاؤوا من صور بني آدم، كما قد نص على ذلك في قوله تعالى: {فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَويًّا} [مريم: ١٧] وقد كان جبريل يتمثل للنبي صلى الله عليه وسلم في صورة دحية بن خليفة الكلبي، وقد كان لجبريل صورة خاصة خلق عليها لم يره النبي صلى الله عليه وسلم عليها غير مرتين كما صح الحديث بذلك، وهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم عرف جبريل لكن في آخر الأمر، فأما قبل ذلك فقد جاء في كتاب البخاري التصريح بأنه لم يعرف جبريل إلا في آخر الأمر انتهى.

وقال القاضي عياض: ما تقدم من قوله: ما المسؤول عنها، وما يأتي من قوله صلى الله عليه وسلم رُدوا علي الرجل يدلان على أنه لم يعرفه في الحال، ويحتمل أن يكون عرفه في الحال وأخفى ذلك عن الحاضرين لحكمة الله تعالى في ذلك، ويكون قوله: ما المسؤول عنها بيانًا لأنها لا تخفى على جبريل، وقال لهم: ردوا علي الرجل ليبين لهم بلا شبهة أنه ليس آدميًّا، وتأويل أنه لم يعرفه المصرح به في صحيح البخاري أصح وهو قوله: "أتاكم يعلمكم دينكم وما أتى في صورة إلا عرفته بها إلا في هذه".

قال الأبي: (فإن قلت) قد صح أن عِظمه سد ما بين السماء والأرض فكيف انحصر في قدر الإنسان (قلت) اختلف في الجواب عنه، فقيل يُذهب الله تعالى عنه القدر الزائد ثم يعيده سبحانه إليه، وقيل التمثيل إنما هو في عين الرائي لا في جسد جبريل - عليه السلام - وقيل لجبريل حقيقة ملكية لا تختلف، وإنما تختلف الصور، والصور قوالب

<<  <  ج: ص:  >  >>