عاجز بعذر من أسر أو مرض أو غيره فتجوز له الإقامة فإن حمل على نفسه وتكلف الخروج منها أجر، قالوا: وفي الحديث بشارة بأن مكة تبقى دار إسلام أبدًا اهـ قال الخطابي وغيره: كانت الهجرة فرضًا في أول الإسلام على من أسلم لقلة المسلمين بالمدينة وحاجتهم إلى الاجتماع فلما فتح الله مكة دخل الناس في دين الله أفواجًا فسقط فرض الهجرة إلى المدينة وبقي فرض الجهاد والنية على من قام به ونزل به عدوه اهـ وكانت الحكمة أيضًا في وجوب الهجرة على من أسلم ليسلم من أذى ذويه من الكفار فإنهم كانوا يعذبون من أسلم منهم إلى أن يرجع عن دينه، وفيهم نزلت آية {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ} الآية وهذه الهجرة باقية الحكم في حق من أسلم في دار الكفر وقدر على الخروج منها اهـ فتح الملهم (وإذا استنفرتم) أي طلب منكم النفير أي الخروج إلى الغزو (فانفروا) أي فاخرجوا إليه وجوبًا معناه إذا طلب منكم الإمام النفير والخروج إلى الغزو فاخرجوا إليه حينئذٍ يتعين الغزو على من استنفر بلا خلاف أي إذا دعيتم إلى الغزو فأجيبوا، قال النووي: يعني أن الخير الذي انقطع بانقطاع الهجرة يمكن تحصيله بالجهاد والنية الصالحة إذا أمركم الإمام بالخروج إلى الجهاد ونحوه من الأعمال الصالحة فاخرجوا إليه اهـ، وفيه وجوب تعين الخروج إلى الغزو على من عينه الإمام وأن الأعمال تعتبر بالنيات.
(وقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضًا: (يوم الفتح فتح مكة أن هذا البلد) المعهود الذي نحن فيه الآن (حرمه الله) تعالى أي حرم على الناس هتكه وأوجب عليهم تعظيمه (يوم خلق السماوات والأرض) فتحريمه أمر قديم وشريعة سالفة مستمرة وحكمه تعالى قديم لا يتقيد بزمان فهو تمثيل في تحريمه بأقرب متصور لعموم البشر إذ ليس كلهم يفهم معنى تحريمه في الأزل وليس تحريمه مما أحدثه الناس والخليل - عليه السلام - إنما أظهره مبلغًا عن الله، وقيل: إنه كتب في اللوح المحفوظ يوم خلق السماوات والأرض إن الخليل - عليه السلام - سيحرم مكة بامر الله تعالى والتحقيق إن إبراهيم أظهر حرمتها وجدد بقعتها ورفع كعبتها بعدما اندرست بسبب الطوفان الذي هدم بناء آدم وبيّن حدود الحرم (فهو) أي هذا البلد (حرام) أي محرم معظم (بحرمة) أي بسبب تحريم (الله) تعالى إياه حرمة مؤبدة (إلى يوم القيامة) أي إلى يوم النفخة الأولى، والفاء في قوله:(فهو)