الكلابي أبو محمد الكوفي، ثقة، من (٨)(عن هشام) بن عروة (عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان كوفيان (قالت) عائشة: (قدمنا المدينة) مهاجرين إلى الله ورسوله (وهي) أي والحال أن المدينة (وبيئة) بهمزة ممدودة أي ذات وباء، والوبا بهمز وبدونها المرض العام، وقد أطلَقَه بعضهم على الطاعون لأنه من أفراده لكن ليس كل وباء طاعونًا، وقال القرطبي: والوباء هنا شدة المرض والحمى، وكانوا لما قدموا المدينة لم توافقهم في صحتهم فأصابتهم أمراض عظيمة ولقوا من حُماها شدة حتى دعا لهم النبي صلى الله عليه وسلم وللمدينة فكشف الله ذلك ببركة دعائه صلى الله عليه وسلم كما ذكر في هذا الحديث وغيره (فاشتكى) أي وعك (أبو بكر) الصديق رضي الله عنه (واشتكى) أي وعك أيضًا (بلال) بن رباح مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذا غيرهما كما في الفتح (فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم شكوى أصحابه) من وبائها وحماها (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللهم حبب إلينا) معاشر المهاجرين (المدينة كما حببت مكة) إلينا (أو) حبًّا (أشد) من حب مكة أي بل أكثر وأعظم من حبنا لمكة، ويؤيده أنه في رواية وأشد، قال القاري في شرح المشكاة: ثم لا ينافي هذا ما سبق أنه صلى الله عليه وسلم قال لمكة: "إنك أحب البلاد إلي وإنك أحب أرض الله إلى الله" وفي رواية: "لقد عرفت أنك أحب البلاد إلى الله وأكرمها على الله" فإن المراد به المبالغة أو لأنه لما أوجب الله على المهاجرين مجاورة المدينة وترك التوطن، والسكون بمكة السكينة، طلب من الله أن يزيد محبة المدينة في قلوب أصحابه لئلا يميلوا بأدنى الميل؛ إذ المراد بالمحبة الزائدة الملائمة لملاذ النفس ونفي مشاقها لا المحبة المرتبة على كثرة المثوبة فالحيثية مختلفة ويؤيد ما قررنا قولُهُ فيما بعد (وصححها) أي صحح المدينة واجعل هواءها وماءها صحيحًا (وبارك لنا في صاعها ومدها وحول) أي وانقل عنها (حماها) أي حمى المدينة ووباءها وأمراضها (إلى الجحفة) وتسمى في الأصل مهيعة،