للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أن رَسُولَ الله صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: "يَأتِي عَلَى الناسِ زَمَانٌ يَدْعُو الرجُلُ ابْنَ عَمِّهِ وَقَرِيبَهُ: هَلُمَّ إِلَى الرَّخَاءِ! هَلُمَّ إِلَى الرَّخَاءِ! وَالْمَدِينَةُ خَيرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ. وَالذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا يَخْرُجُ مِنْهُمْ أَحَدٌ رَغْبَةً عَنهَا إِلا أَخْلَفَ الله فِيهَا خَيرا مِنْهُ

ــ

الجهني المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم مدنيون إلا قتيبة بن سعيد (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يأتي على الناس زمان يدعو الرجل ابن عمه وقريبه) قائلًا لهم (هلم) أي أقبل يا ابن عمي (إلى الرخاء) أي إلى العيش الواسع (هلم) أي أقبل يا قريبي (إلى الرخاء) وبسط العيش يعني يدعوه إلى الخروج من المدينة لضيق المعيشة فيها إلى بلاد الريف بقوله: هلم إلى الرخاء أي ائت إلى سعة المعيشة وأقبل إلى بلاد الريف، والتكرار فيه للتأكيد، قال القرطبي: هذا منه صلى الله عليه وسلم إخبار عن أمر غيب وقع على نحو ما ذكر وكان ذلك من أدلة نبوته، وعنى بذلك أن الأمصار تفتح على المسلمين فتكثر الخيرات وتَتَرَادف عليهم الفتوحات كما اتفق عند فتح الشام والعراق والديار المصرية وغير ذلك، فركن كثير ممن خرج من الحجاز وبلاد العرب إلى ما وجدوا من الخصب والدعة بتلك البلاد المفتوحة فاتخذوها دارًا ودعوا إليهم من كان بالمدينة لشدة العيش بها وضيق الحال فلذلك قال صلى الله عليه وسلم: (والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون) وهي خير من حيث تعذر الترفه فيها وعدم الإقبال على الدنيا بها وملازمة ذلك المحل الشريف ومجاورة النبي الكريم ففي حياته صلى الله عليه وسلم صحبته ورؤية وجهه الكريم وبعد وفاته مجاورة جدثه الشريف ومشاهدة آثاره المعظمة، فطوبى لمن ظفر بشيء من ذلك وأحسن الله عزاء من لم ينل شيئًا مما هنالك اهـ من المفهم (والذي نفسي بيده لا يخرج منهم أحد ركبة) وإعراضًا وزهادة (عنها) أي عن المقام فيها (إلا أخلف الله) سبحانه (فيها) أي في المدينة عنه من كان (خيرًا منه) أي من ذلك الراغب عنها، قال القرطبي: يعني أن الذي يخرج من المدينة راغبًا عنها أي زاهدًا فيها إنما هو إما جاهل بفضلها وفضل المقام فيها أو كافر بذلك، وكل واحد من هذين إذا خرج منها فمن بقي من المسلمين فيها خير منه وأفضل على كل حال، وقد قضى الله تعالى بأن مكة والمدينة لا تخلوان من أهل العلم والفضل والدين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها فهم الخلف ممن خرج رغبة عنها اهـ من المفهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>