للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أَلا إِنَّ الْمَدِينَةَ كَالْكِيرِ، تُخْرِجُ الْخَبِيثَ. لَا تَقُومُ السَّاعةُ حَتَّى تَنْفِيَ الْمَدِينَةُ شِرَارَهَا. كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ"

ــ

(ألا) أي انتبهوا واستمعوا ما أقول لكم (إن المدينة) المنورة (كالكير) هو منفخ الحداد الذي ينفخ به النار أو الموضع المشتمل عليها الأول يكون من الزق ويكون من الجلد الغليظ، والثاني أعني موضع نار الحداد يكون مبنيًا من الطين أو هو يسمى كورًا راجع اللغة؛ أي إن المدينة شبيهة بالكير فـ (ـتخرج) من داخلها (الخبيث) من الناس يعني المنافق والكافر فوالله الذي لا إله إلا غيرِه (لا تقوم الساعة) أي القيامة (حتى تنفي) وتخرج (المدينة شرارها) وخبائثها أي أخبث من كان فيها كما ينفي الكير خبث الحديد) أي وسخه ورديئه، قوله: (حتى تنفي المدينة) أي تخرج، قال عياض: وكان هذا مختص بزمنه صلى الله عليه وسلم لأنه لم يكن يصبر على الهجرة والمقام معه بها إلا من ثبت إيمانه، وقال النووي: ليس هذا بظاهر لأن عند مسلم "لا تقوم الساعة حتى تنفي المدينة شرارها كما ينفي الكير خبث الحديد" وهذا والله أعلم زمن الدجال اهـ ويحتمل أن يكون المراد كلًّا من الزمنين وكان الأمر في حياته صلى الله عليه وسلم كذلك للسبب المذكور، ويؤيده قصة الأعرابي الآتية فإنه صلى الله عليه وسلم ذكر هذا الحديث معللًا به خروج الأعرابي وسؤاله الإقالة عن البيعة، ثم يكون ذلك أيضًا في آخر الزمان عندما ينزل الدجال بها فترجف بأهلها فلا يبقى منافق ولا كافر إلا خرج إليه كما سيأتي، وأما ما بين ذلك فلا. كذا في الفتح، قال الأبي: فإن قيل قد استقر بها المنافقون أجيب بأنهم انتفوا بالموت والموت أشد النفي، قوله: (كما ينفي الكير) بكسر الكاف وسكون التحتانية وفيه لغة أخرى كور بضم الكاف والمشهور بين الناس أنه الزق الذي ينفخ فيه لكن أكثر أهل اللغة على أن المراد بالكير حانوت الحداد والصائغ، قوله: (خبث الحديد) بفتح المعجمة والموحدة بعدها مثلثة أي وسخه الذي تخرجه النار، والمراد أن المدينة لا تترك فيها من في قلبه دغل بل تميزه عن القلوب الصادقة وتخرجه كما يميز الحداد رديء الحديد من جيده، ونسبة التمييز للكير لكونه السبب الأكبر في اشتعال النار التي يقع بها التمييز، واستدل بهذا على أن المدينة أفضل البلاد، قال المهلب: لأن المدينة هي التي أدخلت مكة وغيرها من القرى في الإسلام فصار الجميع في صحائف أهلها، ولأنها تنفي الخبث. وأُجيب عن الأول بأن أهل المدينة الذين فتحوا مكة معظمهم من أهل مكة فالفضل ثابت للفريقين ولا يلزم من ذلك تفضيل إحدى البقعتين، وعن الثاني بأن ذلك

<<  <  ج: ص:  >  >>